لعلّ ما عبّر عنه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر من دعم لزيارة بيلوسي لسوريا، وقوله إنه كان سعيداً لأن بيلوسي ذهبت إلى سوريا، دليل واضح على أن الأميركيين باستثناء الإدارة الحالية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد، يفضّلون الحوار مع سوريا على الحرب، ويعرفون مدى أهمية سوريا في الاستقرار الإقليمي.

أما وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في عهد الرئيس بوش الأب فقد دعا الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش والكونغرس، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، إلى التوحّد خلف توصيات لجنة «بيكر ــــــ هاملتون» كي لا يؤدي الانقسام السياسي الحاصل في البلاد إلى عرقلة أهداف السياسة الأميركية في العراق والشرق الأوسط.
وشدد بيكر في رده على تصريحات جورج بوش التي اعتبر فيها أن زيارة بيلوسي توجّه «رسائل متناقضة إلى سوريا وتنسف جهود عزل الرئيس السوري بشار الأسد»، على أنه يجب على بوش أن يدعم دبلوماسية إقليمية، وبالتحديد تلك التي تضم سوريا وإيران، عبر إقامة مجموعة دعم العراق الدولية لتشجيع مشاركة الدول التي لديها مصلحة كبيرة في منع غرق العراق في الفوضى.

دمشق، ومعها حق، اعتبرت أن الزيارات التي قام ويقوم بها عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي الجمهوريين والديموقراطيين وعلى رأسهم بيلوسي التي تشغل منصب زعيمة الكتلة الديموقراطية في الكونغرس وتعتبر من أشد معارضي بوش، بمثابة انهيار للقطيعة بين دمشق وواشنطن، لكون بيلوسي أعلى مسؤول أميركي يلتقي القيادة السورية منذ لقاء الرئيس السابق بيل كلينتون نظيره السوري الراحل حافظ الأسد في قمة جنيف عام 1999.
وأكدت هذه الزيارة بشكل شبه قاطع فشل «سياسة عزل سوريا» التي اختارها جورج بوش وحلفاؤه كفرنسا وبعض «المعتدلين العرب».

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن سياسة العزل التي اتخذتها الإدارة الأميركية تجاه سوريا لم تكن فكرة بوش ومستشاريه فقط، بل ثمة قادة حكومات وأنظمة عربية نصحت البيت الأبيض بعدم تطبيع العلاقات مع نظام الحكم في دمشق الذي تتهمه بزعزعة الاستقرار في المنطقة.

ولعلّ وصف النائب الديموقراطي توم لانتوس الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي سياسة بوش بالنعامة، وقوله إنه سيلبّي دعوة الرئيس بشار الأسد لنانسي بيلوسي وبقية الأعضاء للعودة وزيارة سوريا مرة ثانية في وقت لا تزال تتصاعد فيه انتقادات البيت الأبيض لزيارة وفد الكونغرس لدمشق، يؤكد مدى امتعاض الديموقراطيين من سياسة بوش وسعيهم الحثيث لعزله وإدارته المتطرفة.

ولم يكتفِ لانتوس بذلك، بل اعتبر أن «بيلوسي عبّرت عن مصالح الولايات المتحدة بشكل رائع، وأنه يفضّل بشدة نهج بيلوسي تجاه الشرق الأوسط القائم على الحوار، على نهج تشيني القائم على الصدام والعزل والمصالح الخاصة».
واستدل لانتوس على كلامه، وهو اليهودي من أصل مجري، بالعلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا التي وصلت إلى الصفر، وأصبحت اليوم علاقات دبلوماسية كاملة، متوقعاً أن تُستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق عاجلاً أو آجلاً.
والسؤال: هل استطاعت إدارة بوش عزل دمشق أو مقاطعتها فعلاً؟ الجواب: لا. فقبل زيارة بيلوسي قدم ثلاثة نواب جمهوريين إلى دمشق وقابلوا الرئيس الأسد، وكانت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون اللاجئين إيلين ساربوري قد زارت دمشق منتصف شهر آذار الحالي، وأجرت محادثات مع المسؤولين السوريين تناولت بحسب وسائل الإعلام أوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا.

وإن اشتراك سوريا في اجتماعات بغداد جنباً إلى جنب مع إدارة بوش، ودعوتها للمشاركة في اجتماعات شرم الشيخ، والحضور السوري المتميّز في القمة العربية، وزيارة خافيير سولانا الأخيرة لسوريا، تدل بشكل واضح على أن سياسة العزل التي اتّبعتها إدارة بوش فشلت، وأن مَن يحاول أن يعزل سوريا فإنه يعزل نفسه، كما يردّد السوريون!!