" يجب عليكم أن تختاروا الأماكن البارزة والهامة، وأن تحسنوا توزيع اللافتات والصور في كل منطقة، أريد أن أرى صورة << المعلم >> واسمه في كل مكان ".
أما المعلم، فهو بطبيعة الحال " مرشحكم لمجلس الشعب "، بينما الكلام السابق لمدير حملته الانتخابية، قاله لأفراد الحملة.
وليست بجديدة هذه التوصيات، فهي تتكرر مع كل مدير حملة يستطيع مرشحه ضخ عشرات الملايين من الليرات لصالح دعايته.

وبالفعل، فإن " الشباب " قد أدوا دورهم على أكمل وجه، فلم يوفروا مكاناً إلا واستفادوا منه.
ومع انتهاء نشاطات الحملة الانتخابية صباح أمس، وتوقفها قبل موعد الاقتراع بثمان وأربعين ساعة حسبما نص عليه القانون، فإن الصورة بدت الصورة:

شوارع مُلِئت بطولها وعرضها بلافتات المرشحين، وجدران طُليت بصورهم، ولوحات إعلانية تجملت بوعودهم.
فإذا كان الناخب ذا بال طويل ودم بارد، فبإمكانه مثلاً إحصاء أكثر من خمسين لافتة في شارع الحمراء وسط دمشق معلقة على عرض الشارع ذهاباً وإياباً، إضافة إلى 115 لافتة معلقة على حاجز المنصف الحديدي، و 25 نصف لافتة متطايرة في الهواء تبحث عن نصفها الآخر الممزق على الأرض.

وفي ساحة الجسر الأبيض يمكن إحصاء 45 لافتة موزعة على الأبنية المحيطة بها.

وأصبح منظراً مألوفاً رؤية شرطي المرور وهو يربط إحدى اللافتات الممزقة إلى أحد الأعمدة القريبة.

كل ذلك، عدا صور المرشحين التي حاولوا أن يحملوا لنا من خلالها الأمل والتفاؤل، إضافة إلى افتتاحهم لمضافاتهم العامرة بالشاي والزهورات والقهوة والأراكيل.

ورغم تنبيه الجهات المسؤولة إلى ضرورة تقيد المرشحين بنشر صورهم في الأماكن المخصصة، إلا أن تنبيهاتها ذهبت أدراج الرياح.
ويظهر أن الفكر التجاري البحت قد تسلل إلى الحملات الانتخابية، فاستغل المرشحون صورهم ليعلنوا عبرها عن منتوجاتهم ونشاطهم المهني أيضاً.

فهذا المرشح أعلم الناخب أنه صاحب لإحدى محلات الحلويات التي ذكرها بالاسم، وذاك المرشح ذكرنا بباعه الطويل في مجال صناعة المنظفات فعرض بعضاً منها في صوره.

والحال كذلك، وعلى قاعدة (ما حدا أحسن من حدا)، فما عساه أن يُظهِر في صوره ذلك المواطن الذي يعمل "مطهر أولاد" وقرر ترشيح نفسه للانتخابات ؟؟!!.

وبانَ واضحاً إقبال المرشحين " الدسمين " على حجز أماكنهم في مختلف لوحات شركات الإعلان الطرقي، حتى صار بإمكان المواطن أن يسمي المرشح الذي أعلن في هذه الشركة أو تلك.

إحدى هذه الشركات تملك في دمشق اكثر من 1000 لوحة إعلانية، حجز المرشحون منها حوالي سبعمائة.

وشركة أخرى تملك أكثر من ثلاثمائة لوحة إعلانية كبيرة الحجم تم حجزها جميعها لإحدى القوائم الانتخابية.

ولم تكن الصحافة الإعلانية خارج دعاية الانتخابات، فحفلت صفحاتها بصور المرشحين ووعودهم الانتخابية.

يشير مشرف التسويق والمبيعات في أحد هذه الصحف إلى الإقبال المتزايد من المرشحين على الإعلانات بكافة الوسائل ومنها جريدته: " فقد واكبنا الانتخابات على مدى أربعة أعداد أسبوعية، وبعد أن كنا على مدى أربعة أيام من كل أسبوع نتلقى طلبات الإعلان وحجز المساحة، تقلصت المدة إلى يومين فقط بسبب ضغط العمل في ظل الانتخابات، وتغطية الصفحات بالإعلانات في وقت مبكر من بداية العمل ".

يرى هذا المشرف أن المرشح يستطيع أن ينشر إعلاناً يضمن من خلاله الانتشار الواسع بكلفة معقولة " فمساحة ربع صفحة على الصفحة الأولى يكلف حوالي أربعين ألف ليرة سورية، والصفحة الملونة الكاملة 110 ألف ليرة سورية وقد حجزها أحد المرشحين عدة مرات ".

في ظل هذه الإعلانات والإنفاق المذهل في سبيلها، يتبادر إلى الذهن تساؤل عما إذ كانت الحملات الانتخابية لبعض المرشحين قد التزمت بمبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية الذي حدده القانون للإنفاق الانتخابي أم أنها قد تجاوزته بأرقام فلكية؟
وبينما وجد المرشح الطامح لمكان تحت قبة مجلس الشعب جداراً لصورته، وفضاءً للافتته، وشارعاً لإعلانه، ومكاناً لمضافته، فإن الناخب ما زال يبحث عن… بيان انتخابي صادق وبرنامج عمل يرى النور.