اتفق على تعريف الانطباع بأنه (بناء فكرة حول شيء دون الدخول إلى تفاصيل هذا الشيء) ولأن المجتمعات من السهل اختراقها وتكوين رأي عام من خلال خبرات طويلة لوسائل الإعلام المنتشرة هنا وهناك والتي تتطور يوماً بعد يوم وتوظف ما لا يخطر على البال توظيفه من أجل غايات وضعها سياسيو الغرب وهي (الاستيلاء على كل ما يمكن الاستيلاء عليه من طاقات وخيرات وثروات في عدة مناطق في العالم أهمها منطقة الشرق الأوسط) فقد تصاعدت موجات خلق الانطباع السيئ عن هذه المنطقة وخاصة عما يجتمع عليه سكانها (الإسلام) ووصل التصعيد حداً كبيراً لتثبيت الانطباع القائل (إن الإسلام دين متخلف والمسلمون جهلة يعيشون بالغيبيات ويقتلون بعضهم) وبنية التمهيد لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته الإدارة الأمريكية وهو خلق دويلات طائفية عرقية دينية، تقودها دولة دينية قوية هي (إسرائيل النووية) وتشرعن وجود هذه الدولة حيث تختفي القومية في المنطقة وتسود الطائفية والمذهبية والعرقية...

كانت المقدمة لما حصل تأجيج نار الفتنة بين المذاهب في العراق، وذلك بعد الاحتلال الغربي له، وبعد أن تم تصوير (القاعدة) على أنها تمثل الفكر الإسلامي الذي (يتسم بالتطرف والجريمة والجهل) وظلت وسائل الإعلام الغربية تبث صورة مشوهة عن رجال الدين الإسلامي من خلال تجسيد (صورة أسامة بن لادن) وخلق انطباع عام لدى الرأي العام في العالم بأن (بن لادن) وما قام به من جرائم في الولايات المتحدة في أحداث أيلول يمثل حلم الإسلام والمسلمين في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً وأفغانستان وبقية الدول الإسلامية عموماً، إلى درجة أن استطلاعات للرأي (أمريكية) أجريت في شوارع الغرب رأى فيها الغالبية هذه الصورة المشوهة عن الإسلام دون الخوض في التفصيلات، وها ما أسميته خلق الانطباع لدى الرأي العام.
المرحلة الثانية هي تأكيد الانطباع بعد خلقه، وتحويله إلى حقيقة في عقل الرأي العام بل مسلمة، وأهم من يجسد هذه المرحلة نحن العرب (للأسف) فقد انتشرت قنوات فضائية عربية تحت عدة مسميات لكنها تحمل السمات (الإسلامية) شكلاً، وتمارس (تأكيد الانطباع الخاطئ في الرأي العام حول مفهوم الإسلام وقيمه وحضارته!!) وهنا لابد لي من أن أورد مثالاً لما أقول:
إحدى القنوات الفضائية كانت تستقبل أسئلة المشاهدين الذين يطلبون النصح والفتوى، ويدير البرنامج رجل تمت تسميته (خطأ) رجل دين.. سأله أحد المشاهدين عن (خروف أكل صحيفة أجنبية، هل يجوز ذبحه وأكله؟!) أجابه ما يسمى بالشيخ أو رجل الدين: (إن على المشاهد صاحب السؤال أن يحصل على نسخة أخرى من الصحيفة الأجنبية ويقوم بترجمتها، فإن وجد فيها ما يسيء إلى الإسلام أو المسلمين، فإن لحم الذبيحة حرام أكله، وإن كان لا فلا مانع من أكل الذبيحة!!) إضافة إلى أسئلة أخرى (أكثر جهلاً وإجابات عليها أكثر تجهيلاً) ومن الواضح لكل متتبع لهذه المهزلة، بأن السائل والمجيب كلاهما (مدسوسان) والقناة وجدت من أجل هدف لا يمت للإسلام بصلة، ولو تابعنا بعض هذه القنوات إضافة إلى القناة السابقة، لوجدنا أنها لا تبث إعلاناً أو مادة يمكن أن تكون مدفوعة الثمن مما يؤكد أنها ممولة من جهة ما من أجل هدف ما (ليس صعباً على أي مواطن يقطن المنطقة العربية اكتشافه..) وهي تمثل مرحلة انتقالية من (خلق الانطباع) إلى (تثبيت الانطباع) وجعله حقيقة في الرأي العام..

فهل سنواجه هذه الهجمة أو نلجمها؟.. أم سنقف مكتوفي الأيدي ونحن نجد أنفسنا نتداعى رويداً رويداً.. سواء كانت بلداننا العربية إسلامية أم علمانية فإن الهجمة مستمرة وبحاجة إلى لجم، واختيار الإسلام كمدخل لها يبدو منطقياً (من وجهة النظر الاستعمارية) كونه يجمع بين سكان الشرق الأوسط ويمثل قاسماً مشتركاً للأكثرية منهم، فإلى أين سنمضي فيما لو لم نتحرك سريعاً لخلق آلة إعلامية مضادة ألن ندخل (عصر ظلام جديد؟)..
سينعقد في دمشق قريباً المؤتمر الدولي للإعلام العربي والإسلامي، فهل تبادر إحدى الدول المعنية بتقديم ورقة عمل جدية لهذا المؤتمر تضم مقترحات لإيجاد الآلة المضادة للإعلام الغربي هذا، وتقترح آليات لتنفيذ مقترحاتها ومتابعتها؟ أم سيمضي هذا المؤتمر كغيره من المؤتمرات السابقة؟ لنظل نكبو على طريقة الخروف الذي أكل الصحيفة؟