بدأت يومها كالعادة بالركض مستعجلة إلى غرفة الأولاد كي توقظهم، فسيارة المدرسة على وشك الوصول، ثم اتجهت بسرعة أيضاً إلى المطبخ لتجهز لهم الشطائر التي سيأخذونها معهم.

بعد أن ودعتهم على الباب عادت إلى زوجها الجالس بانتظار فنجان القهوة، جهزت له القهوة التي راح يرتشفها بنهم بينما عادت هي إلى المطبخ كي تحضر له طعام الإفطار قبل ذهابه إلى عمله، ودعته هو الآخر على الباب، وعادت أدراجها كي تغسل الصحون الفارغة وترتب الأسرة التي تناثرت أغطيتها هنا وهناك.

بعد أن أنهت أعمال المنزل كان لديها ساعة واحدة قبل مجيء الأولاد من المدرسة ثم مجيء الزوج من العمل، جلست قبالة المرآة، كعادتها حين تجد فسحة من الوقت. وبدأت تتأمل وجهها الذي راحت تعلوه التجاعيد.

ذهبت بها ذاكرتها بعيداً نحو الماضي، تخيلت نفسها من جديد على مقاعد الدراسة في الجامعة، لم تكن تعلم حينها أن أحلامها أكبر من الواقع الذي تعيش فيه، بالرغم من أن تلك الأحلام كانت بسيطة وواضحة إلى الحد الذي لا يمكن معه تصديق عدم تحققها، نظرت ملياً في المرآة المقابلة لها وراحت تتذكر...

كانت مفعمة بالشباب، كان النشاط والفرح بالحياة يتفجر من بين جوانبها، هكذا رسمت طريق حياتها: ستحب، ومن تحبه سيكون مميزاً في كل شئ، في آرائه، في طريقة حياته، في صناعته لمستقبله الباهر، لن يكون كأي رجل آخر، ستنجح في دراستها، وستحدث أثراً عظيماً في المجال الذي ستتخصص فيه، سيذكر اسمها واسمه في الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية، ستكون الحياة أفضل، سيكون متفهماً إلى أبعد الحدود، سيساعدها على صناعة اسمها ومستقبلها وسيكون فخوراً بها، سـ... !

واغرورقت عيناها بالدموع.

انتفضت فجأة عندما رن جرس البيت. حاولت مسح عينيها بسرعة وزرع ابتسامة مصطنعة على شفتيها: حان وقت العودة إلى الحياة التي اختارتها هي بمحض إرادتها! بدأت تعد العدة لطعام الغداء. سيرجع زوجها عما قريب، سيكون متعباً، ومن الأفضل أن يجد طعاماً طيباً. نسيت نفسها، كما في كل يوم، وبدأت تفكر بالمستقبل من خلال الآخرين.

عن موقع نساء سورية