شهد اليوم الأول من الانتخابات التشريعية في سورية تفاوتاً واضحاً بين المحافظات لجهة الإقبال على صناديق الاقتراع التي أقفلت في محافظات دمشق وريفها، وحلب على أقل من مئة صوت، بينما تميزت محافظات درعا والحسكة ودير الزور وطرطوس واللاذقية بإقبال أكثر، حتى أن وسائط النقل قد انعدمت في بعضها بعد أن دخلت في الحملة الانتخابية خدمة للناخبين.

وطوال يوم أمس، تجمع في المراكز الانتخابية العشرات من وكلاء المرشحين في مسعى منهم للفوز بناخب يصوت لمرشحهم، حيث بدوا في مراكز كثيرة أكثر عدداً من الناخبين أنفسهم.

وعند الساعة السابعة من صباح أمس الأحد فتح 10898 مركزاً انتخابياً أبوابه لاستقبال حوالي 12 مليون ناخب سوري يختارون من بين 2462 مرشحاً 250 لعضوية مجلس الشعب، في ظل مقاطعة واسعة من أحزاب المعارضة، التي تطالب بقانون عصري للاحزاب يسمح بانشاء احزاب اخرى غير حزب البعث الذي يتولى السلطة في سوريا منذ نحو اربعة واربعين عاماً، بالاضافة الى تعديل قانون الانتخابات والغاء حالة الطوارىء المعمول بها منذ 1963.

واغتنم بعض كبار المسؤولين فرصة مشاركتهم في العملية الانتخابية، فحملوا على المعارضة حملة شديدة لم يوفروا خلالها شتى أنواع الاتهامات التي كالوها لها، في حين أعربت المعارضة عن عدم ثقتها بنزاهة الانتخابات.

وتستمر عمليات الاقتراع حتى الساعة الثانية ظهراً من اليوم الاثنين ليبدأ بعدها مباشرة فرز الأصوات، حيث من المتوقع إعلان النتائج النهائية غداً الثلاثاء.

وخُصِص للجبهة الوطنية التقدمية الائتلاف الحاكم في البلاد بقيادة حزب البعث 170 من مقاعد المجلس الجديد بزيادة ثلاثة مقاعد عن الدور التشريعي السابق بينهم 132 من حزب البعث ، مقابل 80 مقعدا للمستقلين.

واعتاد الناخب السوري على فوز كامل أعضاء قائمة الجبهة منذ أُسِست عام 1973، ومن أبرز من ضمتهم حالياً: رئيس الحكومة ناجي عطري، ورئيس مجلس الشعب المنتهية ولايته محمود الابرش، وعمار بكداش نجل مؤسس الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش، وحنين نمر أحد كبار مسؤولي الحزب الشيوعي السوري جناح يوسف فيصل، وعمار ساعاتي رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال هيثم عزوز، ومحمد نبيل الخطيب وزير العدل السابق، وزهير تغلبي محافظ دمشق سابقاً، ومحمد فاروق أبو الشامات عضو القيادة القطرية لحزب البعث سابقاً.

وتشهد انتخابات الدور التشريعي الحالي ولأول مرة في تاريخ الأدوار التشريعية في سورية استخدام صناديق انتخابية بلاستيكية شفافة كتلك المستخدمة في دول الاتحاد الاوروبي إضافة لحبر خاص بعملية الاقتراع يهدف الى منع حدوث حالات تكرار اقتراع المواطن لأكثر من مرة وفي أكثر من مركز انتخابي.

ووزع المرشحون في مختلف المراكز الانتخابية وكلاء عنهم يدعون الناخبين لانتخاب مرشهحم، ويراقبون عمليات فرز الأصوات.

ولجأت قوائم التحالفات التي شهدتها دمشق، وخاصة قائمتي الفيحاء، والشام إلى توزيع أعداد كبيرة من وكلائهما على مختلف المراكز التي ضمت من أربعة إلى سبعة منهم.

وتميز وكلاء كل قائمة عن الأخرى بما ارتدوه من قمصان وقبعات ملونة، فالأخضر للفيحاء، والأبيض للشام والأصفر لذلك المرشح وهكذا.

وكان وزير الداخلية اللواء بسام عبد المجيد أكد في وقت سابق أن قيام أي من المرشحين للانتخابات التشريعية المرتقبة بدفع مبالغ مالية للناخبين مقابل الحصول على أصواتهم هو "عملية مخالفة يعاقب عليها القانون ".
وفي تصريحات للصحفيين بعد ممارسته حقه في الاقتراع، دعا اللواء عبد المجيد المواطنين الى "اختيار المرشحين الاكفأ والاقدر على تمثيلهم في مجلس الشعب".

وقال مخاطباً الناخبين "ان مشاركتكم في الانتخابات تعني الاسهام الفاعل في تعزيز دعائم مسيرة الديموقراطية وتوطيدها وتفعيل دور مجلس الشعب في صنع القرار"، مؤكداً ان العملية الانتخابية "تسير بشكل جيد وبهدوء تام ولم تسجل اي حادثة حتى الان".

أما وكالة الانباء السورية الرسمية سانا فقالت إن الانتخابات "تشهد اقبالا جماهيريا من كل فئات الشعب لممارسة حقها في اختيار ممثليها في جو من الحرية والديموقراطية والشفافية".

واوضحت ان "جميع الاجراءات القانونية اتخذت لانجاح هذه الانتخابات وتم تجهيز المراكز الانتخابية باحدث مستلزمات العمليات الانتخابية المعتمدة في العالم من الصناديق الشفافة والاحبار الخاصة بمثل هذه العمليات".

وفي المركز الانتخابي في ثانوية جودت الهاشمي في حي التجهيز وسط دمشق هاجمت وزيرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان المعارضة السورية لمقاطعتها الانتخابات وشبهتها "بالاميركي الذي لا يريد ان نبني بلدنا"، وقللت من دعوات البعض لمقاطعة الانتخابات مؤكدة أن "المعارضة متواطئة (...) من اجل تفتيت هذه المنطقة، وان كل الذين يتواطؤون على بلدهم مصيرهم معروف". "لن تؤثر في شيء ".

واعتبرت شعبان بعد أن أدلت بصوتها أنه "لا يوجد فرق بين الاميركي وبين المعارضة التي لا ترغب ان نبني بلدنا"، ورأت "ان الاميركي يعتمد في المنطقة على المهزومين داخليا وعلى المهزومين نفسيا".
وقالت إن "المتواطئين موجودون في كل مراحل التاريخ" مضيفة أن "هذه الأصوات قد فضحت" وأن "كل من لا يدعم سوريا يقف في الصف الآخر "

من جهته، قال سليمان قداح نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية بعد ان اقترع في المركز نفسه إن من يشكك بـ"ديمقراطية الانتخابات ما عليه إلا أن يزور أنحاء سوريا" واصفا هذا التشكيك بأنه "نوع من الإفلاس السياسي ونوع من الضغوط التي يمارسونها على سوريا لثنيها عن خطها الوطني والسير في المخططات المعادية"، ودعا الناخبين إلى المشاركة في العملية الانتخابية بكثافة "خاصة وأننا نخوض معارك أساسية ومهمة وأهمها التصدي لكل المخططات وإنجاز جميع المهمات التي تطرحها مسيرة التطوير والتحديث بقيادة الرئيس بشار الأسد".

وقال "هناك ضغوط تمارس على سوريا لثنيها عن خطها الوطني والسير في المخططات المعادية كما يريدون سواء في الصراع العربي الصهيوني او في ما يتعلق بالاحتلال الاميركي للعراق او في ما يتعلق بلبنان".
وبشأن مقاطعة المعارضة للانتخابات، اعلن احمد الاحمد الامين العام لحركة الاشتراكيين العرب أن "هذه الاحزاب تعزو لنفسها بانها موجودة ولا تشكل شيئا " مشيراً إلى أن "قسما منهم كانوا في الجبهة الوطنية الحالية وبسبب فقدان مناصبهم خرجوا من الجبهة وهؤلاء هم الاحزاب التي تدعي المعارضة".
وقال صفوان قدسي الامين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي "نحن لا نلتفت الى ما يقولونه (المعارضة) وانا لا ارى ان هناك معارضة حقيقية لانها هامشية تقف على رصيف المجتمع"، مؤكداً أن الأصوات التي دعت لمقاطعة الانتخابات البرلمانية في سوريا "قلة قليلة لا يمثلون أي شريحة فاعلة أو مؤثرة في المجتمع السوري، بل إنهم كانوا من الذين يراهنون على أن ما هو مقبل سوف يحمل لنا الدبابة الأميركية التي احتلت العراق".

وفي وقت سابق، دعت الجبهة الوطنية التقدمية الشعب السوري إلى "التصويت بكثافة " في الانتخابات التشريعية وأكدت عزمها على ترسيخ وتعميق دور مجلس الشعب.

أما المعارضة، فقد اعتبرت أنه "لا يوجد مشاركة شعبية في الانتخابات ولو وُجِدت هذه المشاركة لكانت الأوضاع مختلفة".
وقال المحامي حسن عبد العظيم الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم ستة أحزاب معارضة محظورة، والأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي "إن التجمع لا يثق بنزاهة المنافسة، وإن وجود دوام رسمي في دوائر الدولة أدى إلى توفر بعضاً من المشاركة في الانتخاب"، مضيفاً في اتصال هاتفي مع (سورية الغد): من أجل ذلك فإن السلطات خصصت يومين للانتخابات لتدارك القصور في الإقبال على المشاركة"

وتابع موضحاً "ان عدم المشاركة في هذه الانتخابات لا يمكن تفسيره في الظروف الطبيعية الا من قبيل عدم ثقة احزاب المعارضة بقدرتها على المنافسة وبعجزها عن تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي."
وقال عبد العظيم "لقد تحولت التعددية والبنى الديمقراطية الى صيغ شكلية لا روح فيها ولا دور لها في الممارسة الفعلية في ظل العودة الى النهج الشمولي."
وحول مشاركة المستقلين في الترشح للانتخابات قال عبد العظيم: إن المال السياسي يلعب دوره في الانتخابات ويستجر الأصوات لصالح المرشح المستقل وإن هؤلاء المستقلين لا يمثلون الرأي الآخر وليس لهم أية علاقة بالسياسة.
ونوه أنه "من المفترض أن يمثل مجلس الشعب جميع فئات المجتمع بينما الواقع أنه يمثل لون واحد هو لون السلطة".
ورداً على سؤال، اعتبر عبد العظيم أن "النتائج محسومة سلفا عبر قوائم الجبهة الوطنية التقدمية وليس هناك جدوى من المشاركة في ظل القانون الحالي الذي طالما طالبنا بتعديله دون فائدة، وبالتالي فإن النتائج لا تأتي طبقاً لصندوق الاقتراع وإرادة الناخبين".

وأشار عبد العظيم إلى أن " السلطة لا تريد وجود أجواء منافسة بينها وبين المعارضة والمعارضة ليست ضعيفة والسلطة تخشى أن تخترق قوائمها ".

وختم بالقول: إن كل ذلك، يأتي بشكل مرتب، ليكون مجلس الشعب على شكل تعيين مسبق وانتخابات شكلية.
وفي تصريحات صحفية، أوضح وزير الخارجية وليد المعلم أنه قد مارس حقه الانتخابي وأدلى بصوته في صندوق الإقتراع كأي مواطن سوري يؤدي واجبه الوطني في اختيار مرشحي مجلس الشعب للدور التشريعي التاسع.

ورداً على سؤال قال الوزير المعلم : لقد اخترت من بين المرشحين من أعتقد أنه يمثل التمثيل الحقيقي هموم وتطلعات المواطنين ومن أثق كل الثقة بقدرته على تمثل هذه المهمة الوطنية مشيراً إلى أن المجلس القادم أمامه مهام وطنية كبرى من بينها الرقابة على أداء الحكومة وتشريع ما يحقق المصلحة الوطنية العامة.

بدوره قال نائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد إن على المجلس الجديد إكمال ما بدأه المجلس في دوراته السابقة، لا سيما أن الدور السابق قد استصدر الكثير من التشريعات التي تخدم وتواكب مسيرة التطوير والتحديث مضيفاً إن على المجلس الجديد أن يكون رافعة حقيقية وفاعلة لتطوير الأداء في المؤسسات الحكومية بما يحقق مصلحة الشعب.

وأشاد المقداد بالدور الذي تؤديه المرأة السورية في المجلس التشريعي وقال: انها لم تكن هامشية أبداً وكانت إلى جانب الرجل في أداء دورها الوطني متوقعاً أن يكون للمرأة السورية حضور أكبر ودور أكثر فاعلية في الدور التشريعي المقبل.
وحرصت وكالة الأنباء الرسمية سانا على نقل صورة مشرقة عن عمليات الانتخابات والإقبال عليها.

وفي تقرير لها رصد العملية الانتخابية في جميع محافظات القطر، أكدت سانا أن المواطنين " اقبلوا منذ الصباح الباكر فى جميع المحافظات على امتداد المناطق والنواحى والقرى السورية الى مراكز الاقتراع (...) وسط اجواء من الحرية فى التعبير والمشاركة فى العملية الانتخابية (..)وعبر المواطنون عبر صناديق الاقتراع بكل حرية وقناعة وديمقراطية ومسؤولية عن اختيارهم لممثليهم الى مجلس الشعب.

وأوضحت سانا في تقريرها " شارك اعضاء القيادة القطرية والفعاليات السياسية والحزبية والاقتصادية والاجتماعية والشعبية الجماهير فى المحافظات فى الانتخابات معبرين عن الصلة الوثيقة التى تربط القيادة بقواعدها " .

ولجأت سانا في تقاريرها التي بثتها حول سير العملية الانتخابية في مختلف المحافظات إلى استخدام جمل متعددة تعبر عن إقبال الناخبين على الاقتراع ومنها: " اكتظت المراكز الانتخابية، شاركت مختلف مناطق ونواحى وقرى المحافظة فى العملية الانتخابية، احتشد المواطنون منذ ساعات الصباح الباكر امام مراكز الاقتراع، غصت المراكز الانتخابية بوفود المواطنين الراغبين بالمشاركة فى هذه الانتخابات، شهدت صناديق الاقتراع فى محافظة اللاذقية اقبالا شديدا من قبل المواطنين منذ ساعات الصباح الاولى، شهدت المراكز الانتخابية منذ الساعات الاولى من هذا الصباح اقبالا جماهيريا ملفتا للنظر، شاركت جميع الفعاليات في المحافظة في الانتخابات واحتشد المواطنون منذ ساعات الصباح الباكر امام المراكز الانتخابية لاختيار ممثليهم لمجلس الشعب، توافدت جموع المواطنين منذ الساعة السابعة والنصف من صباح هذا اليوم (أمس) الى صناديق الاقتراع في جميع مراكز المحافظة، شهدت المراكز الانتخابية اقبالا شديدا من المواطنين، تقاطرت جموع المواطنين منذ الصباح الباكر بالمحافظة إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم واختيار ممثليهم، عبرت جماهير محافظة طرطوس عن ايمانها بالتجربة الديمقراطية السورية من خلال توجهها منذ الصباح الباكر الى صناديق الاقتراع، احتشدت جماهير المحافظة امام مراكز الاقتراع منذ الصباح الباكر ".

كما حرص الإعلام السوري على مواكبة كبار المسؤولين السوريين أثناء إدلائهم بأصواتهم ومنهم عبد الله الاحمر الامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية، سليمان قداح نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية، ورئيس مجلس الوزراء ناجي عطري، ووزراء الاعلام محسن بلال، والري نادر البني، والاقتصاد عامر حسني لطفي، والمغتربين بثينة شعبان، والثقافة رياض نعسان آغا، وأعضاء القيادة القطرية لحزب البعث والأمناء العامون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وأمناء فروع الحزب في المحافظات والمحافظين إضافة إلى علماء الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي.

بالمقابل فقد حرص الجميع في تصريحاته، على التأكيد على أهمية هذه الانتخابات في ترسيخ الديمقراطية، واعتبارها مسؤولية وطنية، والتنويه بضرورة أن يمارس المواطن حقه في الانتخاب، واختيار الأكفأ من بين المرشحين، والتأكيد على الالتفاف حول قيادة الرئيس بشار الأسد.

ومنذ الصباح الباكر، واكب الإعلام الرسمي عمليات الانتخابات، وقطع التلفزيون السوري بقنواته الثلاث الأرضية والفضائية والثانية، والإذاعة السورية برامجهما المعتادة، وبثا تقارير تتحدث عن العملية الانتخابية والإقبال الجماهيري عليها عدا عن الأغاني الوطنية والقومية.

واتخذ التلفزيون السوري عبارة (سورية تنتخب) شعاراً له أظهره في أعلى ويمين الشاشة، إضافة إلى عبارة (ممارسة الحق ... واجب وطني)، في إشارة إلى حق الانتخاب وأهمية المشاركة في العملية الانتخابية.
ونشرت وزارة الداخلية على أبواب المراكز الانتخابية ملصقات تؤكد على أهمية ممارسة الحق الانتخابي وتدعو المواطنين إلى اختيار المرشح الأفضل والأكفأ.

وتبيّن المؤشرات الاحصائية والبيانية لمديرية الشؤون المدنية في وزارة الداخلية أن المتوسط العمري للمرشحين والمرشحات بمختلف فئاتهم يبلغ 48 عاماً في حين غلبت نسبة الحاصلين من هؤلاء على شهادات علمية كالدكتوراه والماجستير والدبلوم والجامعات والمعاهد المتوسطة على نسبة الحاصلين على شهادات أدنى من ذلك. ‏
ويبلغ عمر أكبر المرشحين سنا خلال الدور الحالي 92 عاماً " وهو مرشح مستقل عن دائرة ريف حلب الانتخابية.

مصادر
سورية الغد (دمشق)