ربما لا يحتاج الدكتور عزمي بشارة إلى حملات تضامنية نتيجة الضغوط التي يتعرض لها، ومن خلال تصريحاته فإن الجرأة التي يعالج بها المسألة تنقلنا بشكل سريع من مسألة التحقيق معه إلى واقع ما شكله خلال السنوات الماضية كظاهرة أعادت صياغة التعامل مع الواقع الفلسطيني لما يسمى بعرب 48.

عزمي بشارة يطرح ظاهرة التصالح مع الذات في أعقد صراع نعيشه، فهو "كان" نائبا في الكنيست، لكن هذا الأمر بالنسبة لحركته على الأقل واضح المعالم والاستراتيجيات، وتم تحديده سلفا في إطار التعامل السياسي الذي لم يمنعه وبشكل دائم من اعتبار المقاومة حق مشروع، رغم انه خاضع لقوانين الدولة العبرية. وحتى لا نحمل تصريحات الدكنور بشارة أو تحركاته مساحة إضافية، فإننا نستطيع ان نطرح ثلاث مؤشرات كانت ظاهرة لنا على الأقل في تطور الأحداث الأخيرة:

 أولا: طبيعة الدفاع عن المواطنة، وهي مسألة يكررها عزمي بشار في إطار حياتهم داخل "الدولة العبرية"، فهي مواطنة "السكان الأصليين" بحيث لا يلغي "الوجود السياسي" لإسرائيل من أحقيتهم في التواجد الاجتماعي. وهذا النموذج في تحقيق "الحقوق المدنية" يشكل سابقة على مستوى الشرق الأوسط عموما، لأنه قادر على التعبير عن نفسه في إطار وجوده الطبيعي بالدرجة الأولى.

 ثانيا: الدفاع عن المواطنة لا يشكل وفق ما يقدمه الدكتور عزمي بشارة تصالحا مع الفكرة الصهيونية، ومن هذه الزاوية تاتي مسألة رأيه في المقاومة، أو في تصرفات إسرائيل أو صراعه مع الكتل السياسية فيها. فالمواطنة واقع لا يمنحه لهم التشكيل السياسي لإسرائيل لأنه حق طبيعي لهم كأصحاب أرض أصليين، وهم غير مضطرين للمصالحة مع الفكرة الوافدة التي قدمتها "الصهيونية" بـ"دولة إسرائيل" حتى ولو كانوا يعيشون ضمنها أو يتعاملون مع مؤسساتها.

 ثالثا: فكرة الدفاع عن المواطنة نفسها لا تحمل أي خوف من "الذوبان" أو "الغزو الثقافي"، فأصحاب الأرض الأصليين ليسوا مجموعات بشرية بل هم يحملون كل سمات المجتمع وثقافته، وتواصله مع أجزائه الأخرى التي تمتد خارج "الدولة العبرية".

وعندما نضع هذه الحركة في إطار "ظاهرة" سياسية فلأنها تقدم تجربة لا يمكن تجاوزها، أو اختصارها في التحقيق الذي يتم اليوم مع الدكتور بشارة، لأن التحرك الإسرائيلي يحمل نوعا من "العزل" لهذه التجربة، او وضعها ضمن إطار خاص لا يعطيها مجالها الكامل. وهو ما يجعل هذه "الظاهرة" شكلا يستحق القراءة من جديد وفق المعطيات التي وصلت إليها اليوم.