لا أتذكر عزمي بشار إلا وغادرني الهدوء... ثم اقتحمتني رائحة المطر وربما صوت الموج الذي يتركني أفكر بأننا قادرون، وبأن صور الرجال لا تتكرر فهم عاشقون لجرأة الحديث وللقدرة على الوقوف.. فعزمي بشارة ليس رجل تاريخ نادته امرأة "وامعتصماه"، لكنه الصورة التي يمكن ان نعيد كتابتها في كل لحظة عندما نفكر بانفسنا.

وإذا كان عزمي بشارة يعرف قواعد اللعبة، فإنني أحاول أن اتعلمها، وأسعي لإعادة مساحة عقلي إلى المستقبل بدلا من تركه تائها في جغرافية الغربة، فاعرف بأن "المعجزة" هي ظهور "ذكور" قادرين على امتلاكي بكلمة أو انفعال.. وقادرين على منحي عرسا كاملا في لحظة خوف وقلق.

كنت أنتظر ظهوره في حرب تموز كي أؤمن بان هناك من يرى الحرب.. وأن هناك دم حار مازال يجري في العروق رغم البرود الذي يجتاح السياسة. وانتظر اليوم رؤيته لأنه في النهاية صورة لنفسي أو للوطن أو حتى لمساحات المستقبل التي نريدها.. فالمسألة بالنسبة لي هي "حياة" أشاهدها في الوجوه، بدلا من اصفرار التصريحات السياسية أو صقيع الحديث مع "الإعلام" الذي يهوى تجريم نفسه.

وأحاول امتلاك القدرة في تحويل الوجه إلى حياة في داخلي، لأنني منذ بدء الخليقة أبحث عن صورة مختلفة لـ"آدم".. صورة تنتهي عندها الروايات التوراتية وتبدأ "الحداثة" في زرع الورد على وجهي، فأضحك من مفارقات الحياة، ومن ابتسامات الساسة في الفضائيات، لأن ضحكة سخرية واحدة كانت كفيلة باقناعي أننا قادرون على جعل حياتنا أكثر خصبا.. وأن عزمي بشارة لا يسخر من أحد بل من طاقتنا المهدورة داخل "زيف" نهواه من الماضي، بدلا من أن نعشق المستقبل.
لا أعرف لماذا قدمت فلسطين صور الرجال القابعين في داخلي... ولا أعرف لماذا لا تفارقني صورة عزمي بشارة ومروان البرغوثي وكأنهم جزء من الحياة التي أعيشها يوميا، ولا أعرف أيضا لما يستطيع رجل واحد ان يتحدى الكنيست بينما يعجز الجميع عن رسم بسمة حقيقية على مساحة حياتنا.

ربما ألتقيه صدفة داخل "شوارع المستقبل".. عندها سأعرف أن كل دروب الحداثة تقودنا نحو بعضنا.. وتجعلنا أشخاصا حقيقيين وليس أبطالا تائهين في التاريخ... وسأدرك في النهاية أن حياتنا تفاصيل تتحقق قبل أن نضع "عنوانا واحدا" لأن نبض الحياة هو الذي يؤكد رغبتنا .. رغبتي.. رغبة الإناث في الوجود على الأرض.