مساء يوم 31 /3/ 2007، توفي اللاجئ الفلسطيني محمد صادق خليل القادم من العراق في مخيم التنف على الحدود السورية العراقية بعد وصوله بقليل إلى العاصمة السورية، بعد الهبوط المتسارع في أوضاعه الصحية نتيجة اصابته بالفشل الكلوي، فدفنه أبناء شعبه في مثوى شهداء فلسطين في مخيم اليرموك قرب دمشق.

اللاجئ الفلسطيني محمد صادق خليل واحد من عدة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، الذين غادروا بغداد بعد حملات التنكيل والقتل والترهيب التي مارستها ومازالت تمارسها بحقهم الميليشيات المشبوهة، الموتورة الحاقدة التابعة لبعض الأحزاب والقوى العراقية المستوردة. كما هو واحد من عدة مئات من الفلسطينيين القابعين على تخوم الحدود السورية العراقية في مخيم التنف، وعلى الحدود الأردنية العراقية في مخيم الرويشد، وفي مخيم الهول شمال شرقي سوريا بالقرب من مدينة الحسكة، بانتظار الفرج القادم من السماء، بعد أن ضاقت بهم الأرض على اتساعها.

فقد أعلن رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة انطونيو غوتييريس من المنامة في البحرين يوم 3 /4/ 2007، أن (600) فلسطيني قتلوا حتى الآن في أعمال العنف المستمرة في العراق منذ نحو أربع سنوات. وقال غوتييريس في مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في المنامة ردا على سؤال عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق «أنهم عالقون هناك وتم استهدافهم من قبل بعض الميليشيات وقتل منهم 600 شخص».

وأوضح أن ما تبقى من الفلسطينيين في العراق «لا يعدو أكثر من (15) ألف لاجئ»، واعتبر ان «أوضاعهم صعبة ونعمل بشكل دؤوب مع السلطات العراقية لحل أوضاعهم» مضيفا «نسعى لتوطين بعضهم خارج العراق لكن هذا يواجه صعوبات لان توطينهم في البلاد العربية قد يعني تخليهم عن حق العودة». وكانت المفوضية قد أشارت إلى أن الشرطة العراقية كانت قد قامت في السادس عشر من مارس 2007 بحملة مداهمات في احد الاحياء الفلسطينية في بغداد ما أدى إلى مقتل فلسطيني واحد على الأقل واعتقال خمسة آخرين.

وعليه، مازالت تتفاقم مع تفاقم قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حالة الخوف والهلع التي تسود أوساط هذا الجزء الغالي من الشعب الفلسطيني في ظل الاعتداءات اليومية التي تشنها على التجمعات الفلسطينية في بغداد تلك القوى وفرق الموت السرية التابعة لبعض الأحزاب والميليشيات العراقية، خصوصاً منها مجموعات «سرايا الحساب» و«فرقة الموت» وهي مجموعات مسلحة فاشية السلوك والمنهج.

وفي الواقع العملي، فان حملات القتل والتسخين والتوتير ضد الفلسطينيين دفعت بأعداد متزايدة من اللاجئين الفلسطينيين في العراق للتفكير بالهجرة الثانية إلى مختلف أصقاع المعمورة هروبا من خطر الموت الداهم الذي ينتظرها وينتظر أبناءها وشبابها وشاباتها وكهولها على حد سواء.

فالعشرات من العائلات وصلت إلى استراليا في هجرة النكبة الجديدة، والى الهند وبعض الدول المترامية الأطراف في أقاصي الأرض، بعد أن ضاقت بها أرض العرب، ودون أن تجد العائلات الفلسطينية اللاجئة من تحرك عربي فاعل لحمايتها من غول الموت الذي يجتاح مواقع سكناها على يد مغول العصر من غزاة العراق وأذنابهم.

لقد بلغ عدد المقيمين في مخيم الهول الجديد، والواقع على مسافة (45) كيلومتراً إلى الشرق من مدينة الحسكة السورية، وعلى بعد (20) كيلومتراً من معبر الربيعة الدولي، بلغ عددهم (304) أفراد، من بينهم (126) امرأة، و(70) طفلاً، يقيمون ضمن مخيم يضم بين ثناياه (70) خيمة، تم إعدادها لاستقبالهم بشكل مؤقت. وبلغت أعدادهم في مخيم التنف على الحدود السورية العراقية ما يقارب (260) فرداً موزعين على خيام المفوضية العليا للاجئين، وفي مخيم الرويشد (280) فرداً على الحدود الأردنية العراقية.

مأساة الفلسطيني محمد صادق الذين ترك أسرة تضم أربعة أطفال من بعده تنتظر من يعيلها، تلخص إلى حد بعيد مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين لم تكن أعدادهم لتزيد على (35) ألف لاجئ في كل أنحاء العراق، كانوا يقيمون فيه منذ نكبة العام 1948، عندما عملت قوات الجيش العراقي على ترحيلهم من فلسطين، وتحديداً من قرى جنوب شرق مدينة حيفا (عين حوض، جبع، عين غزال، اجزم، الفريديس، أم الزينات، الصرفند، كفرلام، الطنطورة، الطيرة) باتجاه بغداد، وحينها لم تكن أعدادهم تزيد على (4500) مواطن فلسطيني، ارتأت قيادة الجيش العراقي العاملة في فلسطين آنذاك بإمرة الفريق نور الدين محمود، إخراجهم نحو بغداد باعتبار أن أبناء القرى المشار إليها كانوا في عداد قوات فوج الكرمل التابع للجيش العراقي.

ومن حينها بدأت رحلة المآسي لهذا التجمع من أبناء فلسطين، وأولى المآسي كانت عام 1949 عندما رفضت حكومة نور الدين السعيد لوكالة الأونروا بتسجيل اللاجئين الفلسطينيين في العراق ضمن سجلاتها، وتالياً القيام بدورها الموكل إليها من قبل الأمم المتحدة تحت ذريعة أن العراق «يرفض تحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى قضية إنسانية، وأن العراق قادر على رعاية هؤلاء الفلسطينيين، وبالمقابل فان العراق لن يلتزم بأي التزامات مالية تجاه الأونروا على صعيد الأمم المتحدة».

مأساة الفلسطينيين في العراق، تواصلت منذ النكبة، فقد حالت القوانين المدنية العراقية المتضاربة دونهم والحياة اللائقة، حتى في عهد الرئيس السابق صدام حسين، وفوق هذا لاحقت اللاجئين هناك تهم العمالة للنظام السابق.

مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، تحمل معها مأساة العراق بأسره، بعد حرب عدوانية دمرت الأخضر قبل اليابس على أرض الرافدين، وأعادت العراق سنوات طويلة إلى الوراء، وتسببت في انتهاك فظ لأرضه وثرواته التي تنهب كل يوم على يد الاحتلال، عدا عن إخراج العراق خارج دائرة الفعل الوطني والقومي العربي خصوصاً بالنسبة لقضايا الصراع مع العدو الإسرائيلي الصهيوني.

ان مأساة الفلسطينيين في العراق، تثير الاستغراب من موقف بعض القوى العراقية التي كانت تقدم نفسها باعتبارها قوى «تقدمية وديمقراطية» كالحزب الشيوعي العراقي وأحزاب اليسار ويسار الوسط الكردية، التي لم تحظ بموئل أمان سوى الموئل المادي والمعنوي الفلسطيني ابان عملها خارج العراق قبل سقوط نظام صدام حسين، خصوصاً في الفترة اللبنانية من العمل الفلسطيني في الثمانينات والسبعينات من القرن الماضي، حين كانت القوى الفلسطينية تسبح في (نعمة المال).

(فالرفيق) عزيز محمد زعيم الشيوعيين العراقيين، وحميد مجيد موسى الزعيم الحالي، ومعهم كريم أحمد زعيم الحزب الشيوعي الكردستاني وآلاف من كوادر الشيوعيين العراقيين ومن بينهم أعضاء الأحزاب الكردستانية، كانوا ضيوفاً دائمين لدى الحاضنة الفلسطينية عملاً وامداداً، وأذكر في حينها المقولة الدائمة التي كان يكررها عزيز محمد وباقي القيادات الكردية من أن «الفلسطينيين ورفاق الثورة الفلسطينية هم رفاق أيديولوجيا وسلاح ومصير واحد».

ان اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي التنف والرويشد وفي مخيم الهول، بأمس الحاجة إلى اللفتة الوجدانية من قبل أبناء فلسطين، ومن السلطة الوطنية، وعليه نتمنى أن تصح المعلومات التي كشفتها مصادر فلسطينية مقربة من دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بشأن مشروع جديد لإنقاذ اللاجئين الفلسطينيين العالقين في العراق والذين يتعرضون للإبادة على أيدي الميليشيات الموتورة. حيث علم بأن المشروع يجري تداوله بشكل حثيث وبالتشاور مع أطراف عربية وأوروبية وبعض المسؤولين الأميركيين بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية للسماح للسلطة الفلسطينية باستيعابهم في قطاع غزة.