(ثمّة قادة مجانين يطمحون إلى إلحاق الأذى بتقنيّات شيطانيّة، وسيضغطون الزر) هذا ما تقوله كلمات أغنية (كوبي عوز) (اضغط الزر) التي ستقدمها فرقة (تيباكس) الإسرائيليّة في مسابقة (يوروفيجن) الأوروبية في العاشر من أيار المقبل في هلسنكي (فنلندا)، أغنية تتحدث عن نهاية العالم نوويّاً. إذ اختار الإسرائيليون هذه المرّة السلّم الموسيقي وعلى أنغام الروك والإيقاعات المتوسطيّة كدفعة أولى على الحساب في إطار الحرب النفسيّة والإعلاميّة المشرّعة الأبواب للصعود درجة درجة على سلم التصعيد والتعبير عن القلق من برنامج طهران النووي، وبالتزامن مع غزو جحافل العقوبات عبر بوابة مجلس الأمن وما يسمى بالشرعيّة والقانون الدولي، واستصدار قرار أممي جديد امتاز بتناغم وتآلف مواقف الدول الكبرى ولكن على وقع مزامير داوود المعهودة.

قرار العصا والجزرة الأممي الجديد 1747 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 24 آذار الماضي أكد على ضرورة امتثال جميع الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية امتثالاً تاماً لجميع التزاماتها، وأشار إلى أن إيران لم تمتثل للقرارين الأمميين 1696 و1737 بناءاً على التقرير الأخير لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما دفع طهران للسخرية من القرار ووصفه بقصاصات ورقية، ولوحت في الآونة الأخيرة في لهجة تحذيرية حادة إلى أنها قد تضطر للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي المشار إليها أعلاه، مما يعني تلاشي التبعات القانونية بشكل أو بآخر لأي التزام إيراني بالتعاون الدولي، وبشكل خاص مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعفيها ربما من تبعات المساءلة التقنية، لكن لن يعفيها البتة من التصعيد العبري والأنغلوساكسوني.

هذا التحذير الإيراني لم يكن الأول، فقد سبق وأن حذر الرئيس السابق محمد خاتمي، في 21 أيلول 2004، من أن بلاده قد تنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (هناك 187 دولة موقعة على المعاهدة باستثناء الهند وباكستان وإسرائيل وتعتبر المعاهدة الأكثر إجماعاً على المستوى الدولي بعد ميثاق الأمم المتحدة) إذا طلبت واشنطن ووكالة الطاقة الذرية منها الكف عن خطط تخصيب اليورانيوم. وأكدت الحكومة الإيرانية مراراَ عن عدم وجود خطط لديها لإنتاج الأسلحة النووية، على أي حال، (إذا استمرت إيران في خططها لتخصيب 40 طناً من اليورانيوم بهدف استخدامه في إنتاج الكهرباء، كما تقول، فسيصبح بإمكانها إنتاج عدة قنابل نووية في غضون عدة سنوات)، وذلك حسب رؤية (توم باري) مدير الشؤون السياسية في مركز (Interhemispheric Resource) والذي يعتقد في دراسة له بأن إيران تشكل مصدر تهديد متزايد للاستقرار الإقليمي، من منظور إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد. (ليس فقط لكونها تملك صواريخ بعيدة المدى، وقد تُطوَر إلى أسلحة نووية، ولكن أيضاً لأن صلاتها القوية مع الأكثرية الشيعية في العراق ليست في صالح إعادة التشكيل الاقتصادي والسياسي الذي خططت له إدارة بوش في العراق. علاوة على ذلك دعم حزب الله في لبنان) وأن ما يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل ليس إمكانية أن تبرز إيران كقوة نووية ثانية في الشرق الأوسط فحسب. ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تطالب بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، كانت القوات الإيرانية تختبر إطلاق صاروخ طويل المدى (810 ميل)، كدليل على التزامها بقدرة الردع الفعال.
عصا القرار1747 العقابية أهابت في بعض بنودها بالدول بما أسمته توخي اليقظة والحيطة والحذر حيال توريد أو بيع أو نقل أي دبابات أو مركبات قتالية أو طائرات أو سفن حربية أو منظومات عسكرية وغيرها ولوحت العصا أيضاً إلى أسماء عدد من ألمع القيادات العسكرية الإيرانية وكذلك بعض المرافق الأساسية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

أما الجزرة الدولية أو جائزة الترضية إن رضخت طهران للقرار فقد تمخضت على مضض إلى دعم برنامج نووي إيراني للأغراض السلمية بمياه خفيفة ويتم التخصيب عبر إعطاء ضمانات لطهران بالمشاركة كشريك في منشأة دولية في روسيا لتوفير التخصيب من أجل إمداد المفاعلات بالوقود اللازم إلى جانب أفق على المستوى البعيد بفتح الحوار والتعاون السياسي والاقتصادي والشراكة والتعاون في ميادين الطيران والتكنولوجيا المتقدمة والاتصالات والزراعة.

ما كانت تعانده واشنطن وحلفاؤها بالأمس طرحوه اليوم في قرارهم الدولي وما كان يمكن لطهران القبول به بالأمس أصبح مرفوضاً البتة اليوم، فمن خلال متابعتي المتواضعة في السنوات القليلة الماضية للملف النووي الإيراني لمست ومن خلال المفاوضات المكثفة بين طهران والترويكا الأوربية (فرنسا - ألمانيا - بريطانيا) ومحادثات رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني والمسؤول السابق عن الملف النووي حجة الإسلام حسن روحاني في باريس وبروكسيل لمست أنه كان هناك نوع من الليونة الدبلوماسية الإيرانية للقبول بخيار التخصيب على الأراضي الروسية لطمأنة محاوريها الغربيين لكن عملية شد الحبال بين طهران والغرب والتزمت الأمريكي دفع بطهران إلى التشبث بحقها في عمليات التخصيب وطنياً واستعراض عضلاتها العسكرية التكنولوجية المتقدمة والمتطورة في كل مرة تصل فيها المفاوضات إلى مأزق حرج أو في كل مرة تعمد فيها واشنطن للتهديد والوعيد، فتارة تظهر طهران تجاربها في إطلاق صواريخ بعيدة المدى، وتارة تجربة صواريخ سريعة عابرة للمياه والبحار لا تكشفها ولا تصطادها رادارات السفن المعادية، وتارة أخرى بالتأكيد على العين الساهرة على السيادة الوطنية الإيرانية في محيط مياهها الإقليمية وإلقاء القبض على جنود مارينز بريطانيين حاولوا انتهاك حرمة السيادة الوطنية مرتين إلى جانب القيام بمناورات عسكرية واسعة النطاق في مناطق متعددة في العمق الاستراتيجي الإيراني، وهذا يؤكد للقوى العظمى بأن طهران تستعد لأسوأ الاحتمالات وأن ما تخفيه من رباطة جأش وقوة عسكرية أعظم وتوجت طهران عاصفة العضلات المفتولة مع غزو إيراني ثان للفضاء بتكنولوجيا متطورة جداً إذ نجحت في 25 شباط 2007 بإطلاق أول صاروخ فضائي من صنع علماء إيرانيين (كانت إيران أطلقت أول أقمارها الصناعية سينا-1 في المدار من صاروخ روسي عام 2005 وأجرت تعديلات على الصاروخ شهاب 3 لإطلاق الأقمار الصناعية والذي يبلغ مداه 2000كم) ثم أعلنت طهران وعلى لسان الرئيس أحمدي نجاد مفاجأتها القاصمة لظهر واشنطن وتل أبيب عن نجاحها ودخولها (مرحلة الإنتاج الصناعي) لتكنولوجيا الوقود النووي (تم اعتبار يوم 9 نيسان الماضي يوماً وطنياً للتكنولوجيا النووية وهناك 14 دولة على مستوى العالم تقوم بعمليات التخصيب)،

التي تعنى بإنتاج اليورانيوم المخصب على نطاق صناعي وهذا يعني تأمين الوقود النووي محلياً لتأمين الحاجة إلى عملية الانشطار النووي الذي يعتبر قاعدة علمية أساسية في تشغيل محطات الطاقة النووية الكهربائية ومما يعني أيضاً تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة أمريكياً وإسرائيلياً لأن التخصيب على المستوى الصناعي بدرجة عالية يمنح إمكانيات فرض سياسة الأمر الواقع بإنتاج السلاح النووي.

قد يتساءل أحدهم لماذا ترفض طهران إذاً خيار التخصيب في روسيا الآن بعد صدور القرار الدولي فيما كانت تبدي ليونة سابقاً حيال هذه النقطة الأساسية؟! والجواب باعتقادي أن الخطب الحماسية للقادة والساسة الإيرانيين والتأكيد على حقهم في تخصيب اليورانيوم وامتلاك برنامج نووي لا يمكن العودة فيه أمام الرأي العام الإيراني ولأن النظام الإيراني وصل إلى مرحلة اللا عودة ونقطة عدم التراجع عن خيار امتلاك البرنامج النووي ولأن التراجع يعني أن النظام سيفقد مصداقيته في الشارع الإيراني المناصر لسياساته وبشكل خاص كلما تم التلويح بالعصا الأمريكية الغليظة بالخيار العسكري كما أن الإرادة السياسية في طهران مرسومة أساساً على عدم التراجع فيما تحقق من مكتسبات وبالتالي تحقق ما قاله نجاد فعلاً بأن حركة إيران مثل حركة قطار بلا مكابح، ولا تراجع) وأثبتت المدرسة الدبلوماسية الإيرانية نجاحها في المناورة مع القوى العظمى وإتقانها الحرفي في الاستفادة القصوى لما يتماشى مع مصالحها السياسية للواقع الإقليمي والدولي.

أصحاب القرار الأممي تناسوا (عدا واشنطن التي تمتلك مخزوناً نفطياً ضخماً) بأن إيران ذات الـ1.648.195 كم² مساحة وقرابة 70 مليون مواطن والتي بلا شك أصبحت دولة إقليمية عظمى يخشى جانبها ويحسب لها ألف حساب قبل التعاطي بسوء معها تناسوا أن إيران والتي بلغ ناتجها المحلي قبل عشر سنوات 140 مليار دولار أي في عام 1996 وميزانيتها لعام 2007-2008 تبلغ 229 مليار دولار وتحتفظ بـ300 مليار دولار أمريكي في الداخل كاحتياطي نقدي لن تتأثر كثيراً في مزيد من العقوبات الاقتصادية لأنها اعتادت وتأقلمت وتكيفت سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً على العقوبات وأطواق العزلة منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والتي ترافقت مع ثورة صناعية عملاقة مستمرة حتى اليوم (8800 مشروع خلال 5 سنوات من عام 90 حتى 95) ورغم كل العقوبات والعزلة المضروبة عليها فقد بلغت نسبة النمو 5.6% وفقاً لبيانات البنك الدولي، وإيران العملاقة تحتل المركز الثاني من حيث احتياطي النفط في العالم, وفى نفس الوقت تشكل أيضا ًثاني دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، ووصل احتياطها المؤكد من النفط إلى 133.2 مليار برميل. إضافة إلى سيطرتها على شريان النفط العالمي – مضيق هرمز. (بالرغم من أن مضيق هرمز يبلغ طوله 150 كيلومتراً إلا أنه أكثر المضايق والمعابر نشاطاً في نقل النفط. إذ يمر ربع النفط الخام بهذا المعبر المائي الضيق القائم بين إيران وعمان، وتمر ناقلة بترول كل 8 إلى 10 دقائق منه , ويعبر ما يزيد على 750 مليون طن من النفط هذا المضيق متوجهاً إلى أنحاء العالم بما يمثل 80% من حجم صادرات الخليج من النفط) وهذا يعني في حال استخدام الخيار العسكري ضد طهران أزمة طاقة واقتصاد على المستوى العالمي وقد يساهم ذلك بفرضية سقوط أو زعزعة وجود حكومات دول صناعية غربية كبرى لما قد تشكله أزمة الطاقة الجديدة العالمية إن حدثت بارتفاع هائل في أسعار البترول (قد يصل سعر البرميل من 150 إلى 200 دولار أمريكي وفق تقديرات بعض الخبراء) كما أن تعثر اقتصاديات عدة دول غربية لا تمتلك مخزوناً نفطياً (تمتلك واشنطن وبرلين وطوكيو مخزوناً نفطياً قد يساعدها على الثبات اقتصادياً أمام هزات الطاقة المحتملة) لما سينشأ عنه من توقف العجلة الصناعية فيها وإفلاس شركات كبرى وقفزة عملاقة للبطالة المستشرية أساساً كعوائق بارزة في بعض الاقتصاديات كالاقتصاد الفرنسي، وسيساهم هذا السيناريو بهزة اقتصادية في مصر نتيجة محدودية أو توقف حركة عبور الناقلات البترولية عبر قناة السويس.

إذاً شريان حياة العالم والغربي تحديداً بيد طهران وأعتقد جازماً أن من يفرض عقوبات اقتصادية وسواها عليها فإنما يعاقب نفسه وبلاده أولاً.

واشنطن والتي بدأت بتدعيم ترسانتها الحربية في مياه الخليج والتي اعتادت مؤخراً التلويح بالخيار العسكري تدرك تماماً كارثة وخطورة هذا الخيار في استراتيجيتها العسكرية والسياسية لكن الجنون الإيديولوجي الذي يعصف بالبيت الأبيض والبنتاغون بات يرجح هذا الخيار رغم خشيتهم من المنظومة الدفاعية الإيرانية التي سترد وبقوة وفقاً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين يمتلكون القدرات الدفاعية الكافية لتلقين واشنطن وإسرائيل درساً قاسياً قد يحول مياه الخليج إلى مقبرة أبدية تطفو على شواطئه جثث جنود القوى المعادية وحطام ترسانتهم الحربية، وبالتالي فإن إدراك واشنطن لمخاطر هذه الفرضية لن تدعها تشرع حرابها العسكرية ضد نظام طهران بحرب تقليدية كلاسيكية تدفع واشنطن وحلفائها الثمن فيه بل ستكون ضربة نووية خانقة على مراكز ومواقع محددة الأهداف باستخدام بما يسمونه في العقيدة العسكرية الأمريكية بالقنابل الذكية برؤوس نووية لإلحاق دمار شامل بمراكز القوة الإيرانية وشل قدراتها على المواجهة والانتهاء ربما لسنوات قادمة أو ربما للأبد من برنامج نووي إيراني لكن أصحاب الخيار الذي سيكون مفاجئاً ومباغتاً لم يقوموا بعملية حسابية دقيقة لشكل الرد الرادع الإيراني ونتائجه.

هناك تباين بين أوربا والولايات المتحدة حيال برنامج إيران النووي وهناك تياران فتيار يريد صفقة يتم من خلالها تسوية الأزمة بالحوار الهادئ والذي يرضي كل الأطراف وينقذ ماء الوجه الإيراني والغربي أمام الرأي العام الدولي، ولأن هذا التيار يعتبر إيران دولة إقليمية عظمى والصراع العسكري معها سيدفع ثمنه باهظاً لأن إيران ستقلب الشرق الأوسط على رؤوسهم من خلال نفوذها في العراق والتعاطف الديني معها من شيعة العالم العربي وتحديداً دول الشرق الأوسط والدول النفطية الآسيوية المحيطة بها مثل أوزبكستان ووطاجسكتان وخصوصاً أن الغالبية العظمى من مسلمي تلك الدول شيعة وسنة أيضاً مناهضون للسياسات الأمريكية بمعنى أن لإيران يد على الشرق الأوسط ويد في جنوب شرق آسيا.

لوبي أو تيار آخر يدفع باتجاه الخيار العسكري وتوجيه ضربة بأي طريقة وهو الموقف المؤيد لإسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا وأوربا الذي يقول أن إيران في طريقها للقنبلة النووية وهناك فرق بين القنبلة النووية والعتبة النووية.
إيران والمحاطة بعدة دول نووية (باكستان، الهند، روسيا، إسرائيل) لن تتخلى عن خيارها النووي وامتلاكه لإثبات وجود على خارطة الأقوياء (أمام نووي الفاسدين) وإسرائيل لن تقبل بوجود قوة نووية ثانية في المنطقة والطرفان متشبثان بمواقفهما مما يعني حتمية المواجهة بين الأقوياء والتي سيدفع فاتورتها المستضعفون في الدول العربية المحيطة لغياب مشروع عربي يستفيد من إيران قوية على حدوده ويحقق توازناً استراتيجياً معها أمام الهيمنة الأمريكية، وكارثية الخيار العسكري (خطة اللسعة) ضد طهران ستؤثر بالدرجة الأولى على الدول العربية المطلة على الخليج نظراً لقرب مفاعل بوشهر النووي على الخليج وما يمكن أن تحمله آثار ضرب المفاعل من كوارث بشرية وبيئية على المنطقة بشكل عام.
حجة الإسرائيليين التي أبلغوها للرئيس الفرنسي أنه حتى لو جاء نظام في إيران مؤيد للولايات المتحدة ويعمل حتى مع إسرائيل يجب ضربها عسكرياً لعدم وجود ضمانات بقاء مثل هذا النظام المؤيد للغرب وأن إمكانيات عودة الإسلاميين مجدداً للحكم خطر قائم فالخيار العسكري قضية حتمية وقطعية لهذا التيار. إذاً هناك منعطف خطير وما بين أنصار الصفقة وأنصار الصفعة تسبح إيران وتلعب بحرية إلى أن ينتصر أحد الفريقين.