تم استثمار الكثير من الجهد في القمة العربية في الرياض، لكن إذا أخذنا في الاعتبار ما أعلن في الأسبوع الماضي عن تفويض كل من مصر والأردن بالحديث مع إسرائيل حول المبادرة العربية يبدو أن الخطوة الأخيرة هي تكرار لما يحدث في الخمسين سنة الأخيرة بأشكال مختلفة. فليس اليوم فقط ولكن منذ فترة طويلة يفشل العرب مجتمعين في اتخاذ خطوات واضحة وشجاعة تجاه إسرائيل.

كان هناك أمام المطبخ الذي قرر الخطوة الأخيرة، خطوة التفويض، عدد من الخيارات، اقلها إشراك عدد اكبر من ممثلي الدول العربية في اللجنة العتيدة. فليست القاهرة وعمان فقط اللتان تقيمان علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، بل هناك عدد من العواصم العربية التي لها اتصال باسرائيل اما بشكل واضح ومباشر أو من خلال مكاتب تمثيل في اسرائيل، ولو حصل اشراك هذه الدول لأمكن وصف المبادرة العربية بالشاملة.

ذلك جانب والجانب الثاني هو الموقف الفلسطيني، فحتى الساعة لم يفوض بشكل واضح وقطعي مفاوض فلسطيني له الكلمة النهائية للحديث مع إسرائيل. الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتقدم إلى المفاوض الإسرائيلي وخلفه تحفظات «حماس»، فالشكوك المتبادلة بين «حماس» و «فتح» لم تنته بعد، وليست هذه الخلافات سرا على العامة، أما بين الخاصة فيصل الحديث إلى طلاق قريب بين التنظيمين الفلسطينيين، لأن النفوس لم تصف والتدخلات لم تتوقف والتباعد سببه صراع على السلطة أكثر منه خلاف على الهدف.

على الجانب الآخر هناك سورية التي تنظر إلى التوافقات السابقة بين إسرائيل وبعض جيرانها، وبينها وبين الفلسطينيين، وتعتبرها تخلياً عن «الحقوق السورية»، لذا فان عصا سورية المعرقلة تمتد من خلال حلفائها في لبنان لتعكير أي اتفاق أو محاولة اتفاق ليس للمصلحة السورية حصة واضحة فيه، وهي مصلحة لا تبتعد عن استرجاع الجولان كما حددتها المفاوضات القديمة بين سورية وإسرائيل أو ما يعرف بوديعة رابين التي تعترف بحق سورية بحدود ما قبل حزيران 1967 أو حتى بروح مؤتمر مدريد عام 1991.

المبادرة العربية تبدأ من الطرف الخطأ وهو طرف إسرائيل وفلسطين، أما الطرف الصحيح فهو ما كان يجب أن تبدأ به، وهو الطرف السوري الإسرائيلي. لو حدث ذلك فسوف تبرد جبهة ساخنة تنذر بخطر وهي جبهة لبنان التي يحتفظ فصيل كبير وفاعل فيها هو «حزب الله» بقدرة تصل إلى تخريب البلد وإشعال نار إقليمية وليس التعطيل فقط، أو بدء حرب غير متوقعة. فقد بلغ الامر هذه الدرجة من الخطورة، رغم أن المبادرة العربية انطلقت أساسا من اجتماع عربي في لبنان، إلا أنها لم تستطع حتى تجنيب لبنان حربا قاسية في الصيف الماضي عصفت بالوضع الداخلي اللبناني. والإخفاق الواضح بين رغبة رسمية عربية في السلام وبين «جو شعبي» يخلق مناخاً مضاداً للسلام هو إخفاق في التسويق، نابع أساسا من التردد في اتخاذ خطوات واضحة وإقناع الجمهور بها. وهو إخفاق ليس محصورا بالعرب بل يطال قطاعاً كبيراً من الإسرائيليين.

يبدو أن الجهود المبذولة بين أطراف عربية وبين سورية لم تصل إلى وفاق معقول، رغم ما ظهر بعد القمة من تصريحات. ربما ما توصل إليه هو تبريد الخلافات بين تلك الأطراف الفاعلة وبين دمشق، ليس أكثر من ذلك، بل ربما تزيد اللجنة المقترحة للتفاوض العربي مع إسرائيل من شكوك دمشق وتجعلها متأهبة حتى لهدم المعبد على رؤوس الجميع من خلال لبنان، قبل أن تستطيع اللجنة المقترحة لم شملها اللوجستي. فلبنان أمامه استحقاقات حاسمة من بينها انتخاب الرئيس اللبناني القادم، وهو استحقاق يزيد من حدة المشكلة في لبنان، فما بالك وقد ارتبط بوضع إقليمي ساخن، ومن سخرية القدر أن هناك احتمالاً بأن تتحول لجنة المتابعة العربية حول السلام العربي مع إسرائيل، إلى لجنة سلام في لبنان!

تقول حكمة صينية قديمة إن أفضل قدرة يمكن أن يمتلكها قائد هو أن يهزم جيوش أعدائه من دون قتال، والمقصود هنا القتال بالمطلق، وقد حورت سورية من خلال الممارسة تلك الحكمة بحيث اصبحت أفضل قدرة يملكها قائد أن يهزم جيوش أعدائه عن طريق تشجيع آخرين لقتالهم. وهو أمر حدث نسبيا في الصيف الماضي على الجبهة اللبنانية، التي تلقت نارا صالية من التفوق الجوي الإسرائيلي ولكن من دون أن تحقق اسرائيل نصرا تعودت عليه من جهة، ومن دون أن تطلق دمشق رصاصة واحدة. لذا فان صقور إسرائيل لا بد أنهم فكروا في اخذ «الثأر» وهو طبع عربي تشربه الإسرائيليون بعد طول عشرة!

تتلخص المعادلة في كيف تستطيع دمشق أن تضغط من دون أن تُدمي. ولكن، وهي لكن كبيرة، ماذا عن فلتان يحدث لحلفائها، إما في لبنان لأسباب داخلية أو في الخليج، واقصد إيران الحليفة التي تواجه استحقاقاً دولياً ضخماً؟

المكانان، لبنان وإيران، مرشحان للانفلات، اللبناني بسبب الاستحقاقات الكبيرة، وخاصة انتخاب رئيس الجمهورية، ان لم يكن المحكمة الدولية، وإيران التي يبدو لكل مراقب أن هناك تسخيناً جدياً تجاهها لا مزاح حوله.

هنا يبدو أن دمشق يجب أن تبني على الشيء مقتضاه، فالتهديد بالخراب لن يبقى مقصوراً على لبنان إن حدث أو على طهران ان تفجر الوضع. سوف تصاب دمشق برذاذ قد يتعاظم ليصبح موجات تسانومي، وتخسر ليس الوجه التطهيري في البقاء شبه وحيدة أمام الصلف الإسرائيلي، بل تتحول إلى ضحية في صراع الأفيال الكبيرة في المنطقة، خاصة أن الإدارة الأميركية الحالية تعتبر دمشق هي المفسد الأساسي لأي طبخة سياسية في الشرق المعذب الموبوء بالجهادية التكفيرية والسيارات المفخخة.

يبدو أن الحلقة الأقوى هي التي تمسك بها دمشق، حتى الانفجار، وما أن يتم الانفجار، حتى تصبح تلك الحلقة اضعف من خيوط العنكبوت، وهي قاعدة يبدو أنها تتكرر في منطقة الشرق الأوسط.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)