تحوَّل الغضب إلى نظرات موتى وكلمات مبعثرة لا معنى لها، عندما تحولت الأخبار على المحطات الفضائية إلى مسلسل من الموت الجماعي والنزيف الدائم، ومباراة في أنواع التعذيب والتمثيل بهؤلاء الذين أوقعهم سوء قدرهم، بين أيدي من تكوَّنوا من سلسلة من الحقد والعدوانية والعُقد النفسية.قد ُيبث ُ الخبر لمرة واحدة وكأن شيئا لم يكن، لأننا بنظر محبيّ الإنسانية والديمقراطية والمساندين لجمعيات الرفق بالحيوان لا نساوي حتى الحيوان عندهم.
المنظر الذي بثته قناة الجزيرة." امرأة واقفة أمام الحاجز الفلسطيني تنتظر السماح لها بالمرور، يسلط عليها الجنود الإسرائيليون كلبا شرساً.

ترتعد خوفاً ولا تعرف كيف تتخلص منه، وهم يضحكون. " عمل مسل "؟ ثم ينهالون على شاب صغير بالضرب المبرح والشتم. إنه مثال بسيط جدا لما يحدث يوميا في فلسطين ضد أصحاب الأرض، والمناهضين للاحتلال وجدار الفصل العنصري والحفريات في القدس الشريف، فالحاكم والقاتل واحد.
باختلاف المكان فقط تشعر بالدوار، ولكن هذه المرة لا بسبب حر تموز، بل من رؤية الجثث والأشلاء بعد مذبحة قانا، والقنابل الذكية التي تحصد الأخضر واليابس.وحتى اليوم الألغام تقنص الأبرياء ،والبالونات المسممَّة تُرسل إلى أطفال لبنان.

إن العين لتدمع، والقلب ينفطر، ويندى الجبين بعد أربع سنوات من مناظرٍ لم تتغير؛ بل ازدادت الجثث المبعثرة في شوارع العراق المذبوح، فبعد التمثيل بها من قبل " الطائفيين"والميليشيات وفرق الموت، والمرتزقة المهووسين باستعمال المثقب الكهربائي لتهشيم العظام، والآلات التي تقطع الأوصال ترمى في المجاري والحاويات والحفر.إضافة إلى السجون المليئة ب 300 ألف سجين وفق آخر أخر إحصاء ، يتعرضون فيها لتعذيب تشيب لها الولدان، وخير مثال سجن أبو غريب . أيّ صنف من صنوف التعذيب والاغتصاب للعرض والأرض تعرض له أبناء هذا الشعب العريق بحضارته وشجاعته وعلمه ووحدته؟.
هذه الأفعال يسببها الاحتلال وأذنابه .هذه الدول هي حجر الأساس في هيئة الأمم المتحدة التي اعتبرت التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي؟ حيث ندد المجتمع الدولي عام 1948 بالتعذيب وغيره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 3452 " د/ 3" بتاريخ 9 كانون الأول 1975، وقد عّرفت في المادة 1 و 2 التعذيب، ونصت المادة 3 منه على أن ( لا يسمح باتخاذ الظروف الاستثنائية، مثل حالة الحرب أو خطره أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو حالة طوارئ عامة أخرى ذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة ). وهذه المادة دخلت حيز التنفيذ عام 1987.

نعم دول الاحتلال رائدة حقوق الإنسان، هي أول من أنتهك هذه الحقوق، ومارس أبشع أنواع التعذيب في مختلف السجون والابادة الجماعية في العراق، مما جعل أهلنا هناك لا يعرفون طريقاً لحمايتهم سوى الفرار إلى أهلهم في دول الجوار. وتتبارى القنوات الفضائية في نشر أخبار زائري البلاد من مسوؤلي دول الاحتلال للاطمئنان على مسيرة نشر الديمقراطية، وتنفيذ مؤامرات الخطط الأمنية، ليصل هؤلاء بعدها إلى دول الجوار للإطلاع على حسن الضيافة، رغم كافة أنواع الحصار المفروضة على بعضها. وكما يقول المثل " احمل حملي وإياك أن تميل به فتنال أشد العقوبات ".

أما الجريمة التي تستوجب إعلان الحرب على أي دولة مجاورة، فهي أن يجتاز أي عربي حدود العراق ليدافع عن أرضها بموجب قرارات جامعة الدول العربية، تلك القرارات التي كانت تعتبر الاعتداء على أية دولة عربية اعتداء على كافة الدول العربية؟ أما أن تجتمع دول العالم الأوربي والأمريكي لتشن حرباً على دولة مستقلة، أحكمت من حولها حكومات هذه الدول شتى أنواع الكذب والخداع على شعوبها، وعلى مجلس الأمن للموافقة على هذه الحرب الغاشمة، فإنه حق مشروع ومسألة فيها نظر. نعم إنه حق مشروع أن تأتي من قارة إلى قارة لتحتل وتقتل وتغتصب وتنهب الخيرات، أما أن تصعد جبلا، أو تعبر صحراء، لتدافع عن أرضك وتنصر أخاك وتخفف من آلام شعبك الذي فصلتك عنه حدود، وضعتها الاتفاقات الاستعمارية والمؤامرات العربية، فهذه جريمة لا تغتفر.

وهيهات لك أن تقنع أحدا إنك غيور على أرضك، مدافع عن أهلك، ثائر لكرامتك، بعد أن أغمض الجميع أعينهم وأغلقوا عقولهم عن الحقيقة لتصبح كما تريد السيدة أميركا، إرهابياً مؤججا للفتن وتزيد الطين بلة. فإذا تم القبض عليك متسللاً لحقك، فمصيرك خلف القضبان. يُحلّقُ عقلك فقط خارجها دون جسدك وإياك أن تفكر باستنكار أو مسيرة ولو صامتة، فظلك على الأرض ولو كنت صامتا لا يريح الأسياد هناك في البيت الأبيض. وإياك ثم إياك أن تسمع ثانية فيروز بأن الغضب الساطع آت بل ليكن نائماً مع " هليلة " أصوات القذائف والألغام