العبارة التي أطلقها رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة بأن الاكثرية مستعدة لإعطاء المعارضة 13 وزيراً في حكومة وحدة وطنية بدلاً من الوزراء الـ11 الذين تطالب بهم، شرط ان يتم التوافق مسبقاً على السياسات التي ستعتمدها هذه الحكومة وبعدها لن يكون العدد مهماً ولن تعود هناك مشكلة أقلية وأكثرية، تصحح مسار الجدل الدائر منذ أشهر بين فريقي الازمة في لبنان وتعيده الى أفقه السياسي بعدما نجحت المعارضة لفترة في تحويله الى لعبة ارقام وموازين قوى واحصاءات سكانية ومبارزة بالتظاهرات. وربما ما سمح بهذا التصويب سقوط نظرية «المقايضة» بين المحكمة الدولية وحكومة الوحدة التي سعى اليها حلفاء سورية بعدما باتت المحكمة عملياً في عهدة مجلس الأمن ولم يعد يفصله عن اقرارها بموجب الفصل السابع سوى بضع خطوات اجرائية فحسب.

ومع ان جواب المعارضة كان معروفاً سلفاً، وهو ان تشكيل الحكومة يتقدم على اقرار سياساتها، أي العربة قبل الحصان، فإن «مبادرة» السنيورة تعيد التأكيد على ان لبنان يعيش مخاض ولادة جديدة تعني اعادة رسم دوره السياسي في المنطقة والعالم، بعدما صادرته سورية على امتداد ثلاثة عقود جاعلة من مواقفها معياراً لـ «الوطنية» و «العروبة». وهنا لا بد من التذكير بالانجاز الذي تحقق في قمة الرياض العربية الاخيرة عندما نجحت الى حد كبير في مصادرة «آلات القياس» السورية وادخالها في المفهوم العربي الاوسع.

وهذا الدور الجديد لا يمكن بالطبع ان يستند الى قطيعة مع سورية، بل يجب ان يقوم على استعادة التوازن في التعامل مع كل دولة عربية على انفراد ومع العرب مجتمعين بحيث يظل لبنان ملتزما قضايا أمته من دون ان تتحول اداة لتفريغ استقلاله وذريعة للسيطرة على قراره والحاقه بهذه الدولة او تلك وهذا المحور او ذاك، بما يعوق تقدمه ويهدد تركيبته السياسية والاجتماعية ويحول دون تعافيه الاقتصادي.

إن الحوار السياسي بين الاطراف اللبنانيين الذي لا بديل منه لانهاء الازمة الحالية يفترض ان يتركز بالضرورة على مفهوم العروبة والانتماء اليها، وعلى التزام لبنان، على غرار سورية والعرب الآخرين، مبادرة السلام العربية التي حددت أسساً للتسوية، وعلى تأكيد حياد لبنان الاقليمي بما يخرجه من تجاذب المصالح وانعكاسات تضاربها.

لقد قدمت المعارضة من حيث لا تدري خدمة جلى للأكثرية عندما رفضت مناقشة نظام المحكمة الدولية في مجلس النواب، فجعلت اقرارها في مجلس الامن محتما، واسقطت بذلك حجة سورية بضرورة توافق اللبنانيين عليها، اذ حول هذا الرفض المحكمة من مشكلة لبنانية - لبنانية ولبنانية - سورية الى مشكلة بين سورية والعالم، بعدما اعلنت روسيا انها لن تستخدم حق النقض ضدها، مثلما حصل مع القرار 1701 الذي يلزم دمشق بوقف تدفق السلاح الى لبنان عبر حدودها، وربما لاحقاً مراقبة هذه الحدود، إذا رأى المجتمع الدولي انها لا تستجيب.

إن خسارة ورقة المحكمة الدولية توجب على المعارضة التي لا تنفك تؤكد حرصها على لبنان وصيغته والتوافق الاهلي فيه، اعادة تقويم حساباتها ومواقفها والعودة الى طاولة الحوار والقبول بأن العلاقة المتوازنة مع دمشق لا تقلل من عروبة لبنان وان التزام مبادرة السلام العربية يعزز فرص استعادة مزارعه الضائعة وليس العكس.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)