عندما يحتدم الجدل بين الكونغرس الأمريكي والرئيس جورج بوش فإننا نتوقع تسارعا في وتيرة الحدث، لأن النقاش يدور حول العراق، وهذه المسألة لم تعد مجرد وجود جيش أمريكي أو احتلال بالمعنى الحقوقي للكلمة، فما يستتبع وجود هذا الجيش او انسحابة هو مجموعة من الاستحقاقات التي تتحمل المنطقة بالدرجة الأولى تباعاتها.

فما حدث بعد الاحتلال لم يكن انهيارا لنظام سياسي في المنطقة بل هو قبل أي شيء آخر اختلال استراتيجي، أعاد المجتمعات لصيغ سياسية بقيت غائبة لأكثر من نصف القرن. والاحتلال الأمريكي لم يحاول فقط أن ينهي "السلطة" السياسية لكنه قام في نفس الوقت بمحاولة إزاحة أي مفاهيم سياسية أخرى متعلقة بـ"الدولة" بالدرجة الأولى. وهذا الامر اانسحب بشكل سريع على جملة من القضايا السياسية إقليميا. وأصبح من الصعب التعامل مع أي مسائل سياسية دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الانهيار السياسي الذي خلفه احتلال العراق.

بالطبع فإن الخلافات بين الكونغرس وإدارة بوش لن تؤدي لتبدل سريع، وهي في نفس الوقت تحمل احتمال دفع الأمور باتجاه آخر، لأن ما يحدث يشبه "المزاودة" السياسية بشأن العراق، وربما يدفع إلى تفجير قضية جديدة سواء في إيران أو لبنان أو غيرها من المناطق، من أجل إضافة عوامل جديدة داخل الصراع السياسي في الولايات المتحدة.
عمليا فإن الرهان على العلاقة المتوترة بين الكونغرس والرئيس الأمريكي يشكل نوعا من التعامل مع "علاقة فاشلة" لأنها مرتبطة أساسا بشأن انتخابي، بينما تشهد المنطقة انزلاقا واضحا نحو "توترات" داخلية، وتعامل قاس على أساس النتائج التي أدت إليها الحرب في العراق. ووفق هذه الصورة فإن المجتمعات تجسد أيضا هذا الصراع، من خلال التجاذب الحاد الذي يستقطبها مع تزايد العنف، وارتباطه بالسياسات القائمة على مكافحة "الإرهاب".

خلال عام كامل ستبقى المنطقة تائهة على استراتيجية دولية مفقودة، وعلىلا علاقة فاشلة تربط أطراف السياسة الأمريكية، فحتى ياتي موعد الانتخابات الأمريكية أو على الأقل البدء بالحملات الحقيقية للانتخابات الرئاسية فإننا ربما نشهد تطورات كثيرة يجمعها عدم انتظامها باستراتيجية واضحة، بينما تتحمل الدول في الشرق الأوسط تبعات هذه التطورات على أمل أن تحاول خلق "بيئة" سياسية جديدة لها.