بالنسبة للمعارضة التركية فإن مسألة علمانية الدولة ليست موضوعا "مطلقا" أو خاضعا لقياس المصطلحات التي يمكن ان تظهر وتغيب فجأة، فعندما يعرف عبد الله غول عن نفسه بان "ديمقراطي محافظ"، فإن الأمر لا يعني أي تيار سياسي، لأن هذا التعبير مغلق على نفسه بأي حال، وهو وصف شخصي لا يمكن أن يكون مقياسا لاختيار "رئيس الدولة" في تركية.
وعلمانية الدولة في تركية لم تكن موضع نقاش كما هي اليوم، لأن "المعارضة" هناك ترى أن الخطورة الأساسية هي في إغافل "الدولة" عن النظر في بعض المظاهر التي تؤثر على "قيمها" التي نشأت عليها، وعند هذه النتيجة لن يكون مهما أن يتم الحديث عن سمات جديدة لعبد الله غول طالما أن المسألة تجاوزت الواقع التركي الذي فرض نفسه منذ انهيار الدولة العثمانية، وحالة تجاوز التراث مع ظهور تركية الحديثة.

عمليا فإن ما يدفع للتساؤل هو "نوعية المعركة" التي يخوضها "العلمانيون" في تركية، فرغم أن كل مظاهر الحداثة لم تدفع الأوروبيون لقبولهم ضمن "الاتحاد الأوروبي" لكن خيار علمانية الدولة يعبر عن هوية محددة قادرة على وضع المجتمع ضمن مساحة واحدة، وهو ما يدفع إلى "المعركة" الشرسة اليوم بين المعارضة ومسألة "ترشيح" عبد الله غول للرئاسة، فالاتحاد الأوروبي فتح العديد من المسائل خلال المفاوضات التركية لدخول الاتحاد، وكان اهمها مسألة "حقوق الأقليات" و "الديمقراطية"، وبدا واضحا أن هذه المعركة بالنسبة للدولة التركية الحديثة لا تتعلق ببنيتها بل بالتشريعات الخاصة بها، بينما يتم النظر إليها من قبل الأوروبيون على أنها تمس بنية الدولة وفق خطين:

 الأول أن الدولة الحديثة (العلمانية) لا تستطيع رؤية أقليات بل مواطنة، ووفق هذه الرؤية فإن القوانين النافذة تكون واحدة على الجميع، في وقت يحق لأي مواطن ممارسة ما يريد والتعامل مع "الثقافة" بالشكل الذي يراه مناسبا. بينما لا ينظر الاتحاد الأوروبي لهذا الموضوع بنفس الطريقة، لأنه يعتبر أن هناك "حقوقا" للأقليات يمكن أن تدخل ضمن "قيم" الدولة.. علما أن الدول الأوروبية نفسها لاتعتمد هذا المعيار في تظرتها إلى نفسها.

 الثاني أن الدولة الحديثة كما تظهر في تركية تتعامل أيضا مع واقع تاريخي صعب، وجغرافية - سياسية مركبة هي مزيج من "النتائج التاريخية" و "الاستحقاقات المعاصرة". فمسألة حقوق الأقليات بالنسبة لها لا تنفصل عن دول الجوار، ولا عن علاقاتها الإقليمية، في وقت لا ينظر الاتحاد الأوروبي لهذا الموضع بنفس المقياس، لأنه معني بمسألة واحدة هي "المعيار" الذي وضعه للدخول إلى الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن طبيعة الدول التي ترغب في الدخول.

رغم ما سبق فإن ما يعطي معركة "العلمانية" في تركية أهميتها الإقليمية هو الواقع الذي تعيشه المنطقة، ومحاولة تكسير "الدولة" باتجاه انتماءات سابقة لها كما يحدث في العراق، في وقت سعت فيه الاستراتيجية الأمريكية على وجه الخصوص إلى رسم الخارطة السياسية على أساس "اقتسام الدولة" كشرط وحيد للديمقراطية.