"يجب وضع حد لظاهرة عزمي بشارة"... إنها توصية شاباكية من قبل رئيس شاباك سابق، وهي إذ غدت مكيدة مدبرة، فهي الآن، وعلناً، تدخل حيز التنفيذ... وهذه الظاهرة بحق، والتي يراد وضع حد لها، أي عزمي بشارة، تواجه هذه المكيدة المفضوحة بروح المواطن الضاربة جذوره الأصيلة عميقاً في تربة الوطن، أما مدبروها، وهم "المستوطنون" أوطان الآخرين، فلا يجدون، وهم كذلك، ما يواجهونه به سوى خزين الحقد العنصري المتكدس المترعرع في كنف الخرافة، والذي تغذيه إفرازات عقد قلق وجودي لا شفاء منها، مرده إحساس "المستوطن" المستجلب بخطر دائم يمثله وجود المواطن الأصيل شاهداً على جريمة ارتكبها، هي سرقة وطن وطمس هوية... وعليه، ولتنفيذ التوصية الشاباكية المشار إليها، تأتي واحدة أخرى، من قبل الرئيس الحالي للشاباك يوفال ديسكين، اقترحها في رسالته المعروفة، التي دعى فيها لمكافحة شاباكية ل"قوى تستخدم الوسائل الديمقراطية والشرعية"...

إذن عزمي بشارة المواطن، هو باختصار، يواجه اليوم "الديمقراطية" الشاباكية ل"المستوطنين"، التي بدأت عنصريتها تتجلى في أبهى صورها الفاقعة في جملة من التصريحات... تصريحات مأفونة هي أقرب إلى ما هو أقبح من الصراخ العنصري، أو عواء قطعان الذئاب الجائعة، التي حددت عنوان فريستها... ولنأخذ أمثلة، نختارها هذه المرة من بين ذئاب الكنيست... نختارها، وندع جانباً التحريض الإعلامي واسع النطاق، وفي اختيار توالي سردها نؤشر على معنى لا يخطئه متبصر:

عامي أيالون: إنها "خيانة خطيرة"!

زفلون ارلييف: لنقبض على "حصان طروادة" ونجلبه من الخارج!

... هنا، عند أيالون وارلييف، يعد تصدى الضحية لجلادها خيانة يرتكبها أصحاب الحقوق المغتصبة ضد الغاصبين... وهؤلاء المرتكبين عندهما يعد مجرد وجودهم ناهيك عن عدم ولائهم للمغتصبين بمثابة ما يعادل حصان طروادة!!!
يسرائيل حسون: لنشكل لجنة تحقيق برلمانية "لفحص التصنيف الأمني لأعضاء الكنيست العرب"!

...افي ايتام: لنحقق مع كل أعضاء الكنيست العرب!

أرييه الداد : لتتحول محاكمة عزمي بشارة "إلى محاكمة علنية ضد العرب الإسرائيليين، الذين يتصرفون كطابور خامس بيننا"!

... أي عند حسون وايتام كل أعضاء الكنيست من العرب متهمون، أما الداد فيريد محاكمة كل العرب في المحتل عام 1948 من فلسطين بلا استثناء!!!

... قبلهم جميعاً كان قد قال سابقاً رئيس الشاباك عينه الذي بدأ المواجهة، أو أطلق صفارتها، بأن هؤلاء العرب يشكلون خطراً استراتيجياً على اسرائيل"...

ما تقدم، يكفي لأن تغدو الظاهرة رمزاً يختصر، ليس نواب الكنيست العرب، أو القوى السياسية الفلسطينية في المحتل من العام 1948 فحسب، وإنما ترمز لكل الفلسطينيين هناك، وتتعداهم لتصبح رمزاً فلسطينياً وطنياً... وأكثر، هو أن يغدو عزمي بشارة رمزاً نضالياً عربياً في مواجهة التغول واستهداف، ليس مجرد جزء من شعب، أو شعب بكامله، بل أمة بقضها وقضيضها ومن محيطها إلى خليجها... لأنه أولاً: فلسطيني جداً، من أهل البلد وناسها وطينتها، وليس مستجلباً من أربع رياح الأرض، ومحتلاً غاصباً لأوطان الآخرين... ولأنه كرس جهد حياته الجهيد لوطنه وشعبه، ولأنه مبدع ومفكر متعدد مواهب قبل أن يكون سياسياً يرفد مواهبه ومواقفه السياسية صمود وعناد وشجاعة وقدرة تأثير... وثانياً، لأن عزمي بشارة، عربي جداً، آمن ويؤمن بقيامة أمة مغيبة قسراً، تتربع في القلب من العالم، وتقبض على صرته على مدار التاريخ، وتنداح مساحات كتلتها اندياح تاريخها ما بين المحيط الهندي وبحر الظلمات... وهو كذلك، لأنه واجه وحيداً وظهره إلى الحائط باسم ناسه وشعبه وأمته والانسانية ظلمهم وظلاماتهم، فغدا من ثم قيمة نضالية فلسطينية وعربية... أو كان بجدارة الظاهرة، التي استحقت منهم فبركة قضية ضده... قضية من تلك النوعية التي تبدأ بالمحذور نشرها!!!

إذن... عزمي بشارة اليوم عنوان من عناويننا النضالية المستهدفة، ارتقى وجوده الفاعل ليغدو بالنسبة لهم، وهم المأزومون كياناً ومشروعاً، خطراً استراتيجياً، وعليه، لا بد من إرهابه لأن في ذلك إرهاباً وردعاً للفلسطينيين في المحتل من فلسطين عام 1948جميعاً، وبلا استثناء... أي لابد من إسكاته، باعتباره نقيضاً مقلقاً، لأن في اخراسه خطوة من خطوات يمارسونها في سياق سواها عادة في خدمة إستراتيجية دائمة، هي تغييب شعب وذبح وطن وطمس هوية... لابد من ملاحقته في سياق مطاردة كل من بقي متمسكاً بفلسطينيته وعروبته قابضاً على الجمر و عاضّاً على الجراح وصامداً صابراً على البلوى ومواجهاً بعناد لسياسات قهره وشطبه...

ما يتعرض له عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح هو نوع من الترانسفير الكبتي كتوطئة للأعم الأشمل الترانسفير الوجودي المستقبلي المأمول لديهم، الذي يحلمون ويعملون منذ أن جاؤوا بتنفيذه ذات يوم ضد من صمد في عقر بيته ولم يتمكنوا من طرده من العرب الفلسطينيين... إنه، أي ما يتعرض له، هو ما ينطلق من ذات الرؤية الإستعمارية التي تكمن وراء كل ما فعلوه أو سيفعلوه بالفلسطينيين، في كل فلسطين التاريخية...

عزمي بشارة يختصر أهله الذين لاحظ مضطهدوهم أن نسبة عديدهم قد أصبحت ما يقارب ال20%... رغم كافة السياسات الترانسفيرية المدروسة المتبعة أو المزمعة في كيان قام على نفي الآخر وتغييبه وقهره... لذا فإن مجرد وجوده يشكل في نظرهم خطراً على صفاء يهودية دولتهم، ولهذا استحق لأن يغدو هدفاً لما يسمى "وحدة الجرائم الدولية" الشاباكية، الجاهزة أبداً لتلفيق التهم وفبركة القضايا المكتومة لأسباب أمنية، أو بزعمها حتى لا يفتضح تلفيقها، وضحية لأحكام محاكمهم الجاهزة أبداً لإصدار أحكامها الاحتلالية المبيتة سلفاً...

ولأن النيل منه... من عزمي بشارة... إنما هو نيل من فلسطيني المحتل عام 1948 فإن نصرته إنما هي نصرة لهم... نصرةً مستوجبةً على الجميع، فلسطينيين وعرباً، وناساً أحراراً في كل العالم ، وبالتالي تستحق قضيته أن تصبح قضية كل فلسطيني وكل عربي وكل إنسان حر في هذا العالم.

إذن، وبغض النظر عن تباين الرؤى والمواقف وتعدد الاجتهادات، فإن على كل من يتفق أو يختلف مع عزمي بشارة، الظاهرة المقلقة للمحتلين، أن يقف مع هذا الذي يعنيه، أي مع ما ترمز إليه هذه الظاهرة... أي عليهم أن يقفوا في الجوهر مع أنفسهم!
... وأخيراً، إنهم لن يفلحوا في وضع حد لظاهرة عزمي بشارة، لأن التاريخ قال لنا، أن لا قدرة على وضع حد لتعبير عن ضمير شعب ولا راد لتوق يترجم أحلام أمة... أما هم فلن يفارقهم قلقهم الوجودي المزمن، مادام لم ولن يفارقهم أبداً إحساسهم القاتل بأنهم في غير بيئتهم ومكانهم الطبيعي... ومادام عزمي بشارة الظاهرة يواجههم كمواطن وهم يواجهونه "كمستوطنين"!