في قمة بيروت التي عقدت في العام 2002 أقر الزعماء العرب ما أطلقوا عليه اسم “المبادرة العربية للسلام”، فرد عليها رئيس الوزراء “الإسرائيلي” آنذاك، ارييل شارون، بما سماه “عملية السور الواقي” التي أعاد بها احتلال الأراضي التي انسحبت منها القوات “الإسرائيلية” وفقا لاتفاق أوسلو، وأعلن الحرب على الشعب الفلسطيني وعلى سلطة أوسلو، مطلقا مقولته الشهيرة إنه “لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام”، تلك الحرب التي لم تتوقف بعد الانسحاب المزعوم من قطاع غزة، والتي استمرت بعد العودة إليه وحتى اليوم. وطيلة هذه السنوات الخمس نسي العرب كما الصهاينة وحلفاؤهم تلك المبادرة، وها هم قد عادوا إليها قبيل وبعد قمة الرياض لأنها تحولت إلى خطة صالحة كإطار للتفاوض، كما يقول “الإسرائيليون” والأمريكيون، وكأنما قد تراجعوا عن موقفهم السابق الرافض للمبادرة.

وبعكس الأنباء التي تسربت قبل عقد قمة الرياض عن نية إدخال تعديلات على المبادرة تتعلق أساساً بمسألتي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والانسحاب “الإسرائيلي” إلى حدود 4 يونيو/ حزيران 1967 ، انتهت القمة من دون تلك التعديلات. لكن اعتبار المبادرة “إطارا” للتفاوض يفتح الباب أمام التعديل المطلوب لكنه يترك سؤالا برسم الإجابة: كيف يمكن أن يتم ذلك؟ ويبدو أنه تقرر، في الغرف المغلقة، أن يكون المدخل إلى التعديل المطلوب تحت عنوانين مضللين أطلقوا عليهما “التفعيل والترويج”. وهكذا تنزل قضية الشعب الفلسطيني، والقضايا العربية المصيرية، إلى السوق بالمعنى التجاري، وكأي سلعة معروضة للبيع والشراء في زمن العولمة المتوحشة وسيطرة الشركات الرأسمالية العملاقة.

وتحت عنوان “التفعيل” جاء تشكيل “لجنة تفعيل المبادرة” التي ضمت ثلاث عشرة دولة عربية تشكلت منها “لجان الترويج”، ومنها تلك اللجنة التي اختصت بترويج المبادرة للزبون “الإسرائيلي” وتكونت من مصر والأردن على اعتبار أن للدولتين علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وهكذا يعتقدون أنهم هربوا من اتهام بتطبيع العلاقات العربية مع هذا الكيان. المواطن العربي العادي لن تنطلي عليه لعبة الألفاظ التي يريد أن يمارسها عليه النظام العربي الرسمي، فالتفعيل له معنى واحد هو وضع الشيء في ظروف تجعله “فعالا”، والنظام العربي عاجز عن “تفعيل” هذه المبادرة، ما دام لا يملك أية بدائل يمكن أن يلجأ إليها في حال رفضها الصهاينة، وما دام يستبعد كل الخيارات الأخرى، سواء الحرب أو المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، ولا يملك غير “خيار السلام الاستراتيجي”. بمعنى أنه لن تكون المبادرة “فعالة” إذا رفضها “الإسرائيليون” وقد رفضوها عمليا، ما دام العرب لا يملكون أية أوراق للضغط تجعل الخصم مضطراً للقبول بها، بل على العكس إذ يتحول “التفعيل” في هذه الحالة إلى فرصة للضغط على الأطراف العربية للتنازل عما تعلن أنها تتمسك به، وإلا ستتحمل هي المسؤولية عن فشل عملية التفعيل وبالتالي عن فشل “عملية السلام” إن كانت باقتراحها المبادرة تريد أن لا تتحمل هذه المسؤولية، كما يقول بعض المدافعين عن التفعيل.

أما الترويج فهو أكثر تضليلاً وأقرب إلى المعنى التجاري، حيث يعني الترويج إضفاء محاسن على السلعة المقصودة ليست فيها أصلا لتضليل المشتري. لكن المشكلة أن الزبون المقصود بالترويج المطلوب خداعه أو إقناعه بشراء السلعة هو أكثر مكرا ودهاء من البائع المروج، وهو يحمل في سجله التجاري كل مكر ولؤم وبخل شايلوك! فكيف يمكن الترويج لسلعة لا تعجب الزبون وهو بهذا المكر واللؤم؟ إن “الإسرائيليين” يرون أن “الكرة في الملعب العربي”، وعلى الدول العربية أن تعترف أولا بأن ل””إسرائيل” احتياجات أمنية حيوية لن تستطيع التخلي عنها”، وهي بكلمات يوسف حريف في (معاريف 18/4/2007) “عدم التخلي عن حدود قابلة للدفاع عنها، وبالتالي لن توافق على انسحاب إلى حدود 1967 ولن تسلّم بعودة اللاجئين”. أما غابي أفيطال، عضو حلقة أساتذة الجامعات للمنعة السياسية والاقتصادية فيظهر حريف رجلا سلاميا متطرفا، إذ كتب في (معاريف 19/4/2007) يقول: لقد انسحبت “إسرائيل” وتخلت عن أراض عربية أكثر من مرة ولم تجن شيئا من ذلك، وعليها “أن تصحو وتصرح بأن مبدأ الأرض مقابل السلام هو مبدأ راق جدا ومن يريد السلام عليه أن يعطي الأرض”، ولكن من يعطي من؟ يقول أفيطال: “في نهاية المطاف تملك “إسرائيل” أكبر كنوز السلام ويمتلك العرب أكبر احتياطي من الأرض”. وإذا أراد العرب السلام عليهم أن يعطوا “إسرائيل” الأرض! ألم أقل لكم إن شايلوك شكسبير هو حاتم طي بالنسبة لشايلوك اليوم؟! فأي ترويج يمكن أن يحققه عرب قمة الرياض؟

لكن الترويج يتحول إلى تهريج عندما يحاول بعض الأصوات العربية أن يحوّل عملية التفعيل إلى عملية “تجميل” لا تستر قدر ما تفضح، يحدث هذا عندما نسمع “المروجين” للمبادرة العربية وتفعيلها يصفون المبادرة بأنها ليست إلا “هجوم السلام العربي” الذي يفترض أن الفرصة مواتية لتحقيق النجاح وكبيرة لأن إدارة بوش ضعيفة وكذلك حكومة أولمرت، وينسى هؤلاء حالة الأنظمة والحكومات العربية، ويبدو أنهم يرون هذه الأنظمة والحكومات العربية قوية جدا وفي أحسن حال، بالرغم من أن كوندوليزا رايس تترأس تقريبا كل الاجتماعات العربية مع كل الضعف الذي تعانيه إدارة بوش.

لديّ اقتراح للجان التفعيل والترويج يمكن أن يكون مفيدا: لماذا لا تسلّم المبادرة إلى شركة أمريكية مختصة للترويج وتعفي نفسها من الفشل المنتظر؟