لا شك أن الكثير من المصريين يتساءلون عن سبب تركيز الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على جمع المعلومات حول مصر، على الرغم من معاهدة " كامب ديفيد "، التي تربط بين بلدهم ودولة الإحتلال. ففي الآونة الأخيرة استطاعات أجهزة الأمن المصرية تفكيك عدد من شبكات التجسس الإسرائيلية، والتي كان آخرها الشبكة التي هدفت الى الحصول على معلومات عن البرنامج النووي المصري. بالنسبة لدوائر صنع القرار في إسرائيل، فأن هذا السلوك هو أمر طبيعي. الجنرال يوسي كابروفسير، الذي كان يشغل منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروف ب " أمان " يقول أن " مصر تبقى هدفاً إستخبارياً من الطراز الأول لنا ". و أضاف أن التوقيع على معاهدة " كامب ديفيد "، لم يغير كثيراً من الإهتمام الإسرائيلي بمتابعة كل ما يجري في مصر، على اعتبار أنه لا يوجد ثمة ثقة أن تواصل مصر الإلتزام بتلك المعاهدة. لكن هناك من كبار المسؤولين الإسرائيليين من هم أقل حذراً في تصريحاتهم إزاء مصر، والحاجة لمعرفة كل معلومة حولها. فنائب رئيس الوزراء، والمكلف بالشؤون الإستراتيجية في الحكومة افيغدور ليبرمان قال في جلسة لنواب حزب " إسرائيل بيتنا " في الكنيست " يتوجب علينا ألا نغفو أثناء الحراسة، معاهد السلام مع مصر ليست بوليصة تأمين، يتوجب علينا أن نأخذ أقصى درجات الحذر،يجب أن نحرص على أن تبقى مصر بعيدة عن منظومات الأسلحة التي يمكن أن تشكل تهديداً استراتيجياً لنا". إيتان هابر رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين، وكبير المعلقين في صحيفة " يديعوت أحرنوت "، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، والذي ألف عدة كتب عن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، علق على هذا نبأ الكشف عن شبكة التجسس الأخيرة في مصر، بالقول أن الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية تنطلق من إفتراض مفاده أنه يتوجب محاولة زرع عملاء لها في كل المؤسسات الهامة في العالم العربي، من أجل الحصول على المعلومات التي يمكن على أساسها إتخاذ القرارات السياسية والعسكرية المناسبة. ومع أن جمع المعلومات الإستخبارية عن العالم العربي يطلع به كل من جهازي " أمان " و" الموساد "، فأنه في كل ما يتعلق بمتابعة أنشطة البرامج النووية في العالمين العربي والإسلامي، فأن هذه مهمة جهاز " الموساد ". ويقول الصحافيان عوفر شيلح ورفيف دروكير أنه بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، إتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت قراراً حاسماً بأن يتولى جهاز الموساد وحده مهمة متابعة البرامج الذرية في العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة مواجهة ما يعرف ب " حركات الجهاد العالمية ". لكن ليس فقط برنامج مصر الذري السلمي يقلق إسرائيل، بل تبدي المؤسسة الرسمية قلقها من أي توجه لمصر لمراكمة أسباب القوة. رئيس جمعية الفضاء الإسرائيلية تل عنبر كتب مقالاً في صحيفة معاريف بتاريخ 19-11-2006 يحذر فيه بشدة من اعلان مصر عن نيتها إطلاق ثلاثة أقمار صناعية للتصوير العلمي. عنبر يقتبس أحد الوزراء المصريين الذي قال " لو سألوني أنستثمر في الخبز أم في القمر الصناعي - فلا ريب عندي أن الصحيح هو الاستثمار في القمر الصناعي". المسؤول الاسرائيلي حذر من القمر المصري "ايجبت سات 1" الذي بني في اوكرانيا، سيكون ذو قدرات عسكرية، وتجسسية. وعلى الرغم من أنه يؤكد أن اسرائيل لازالت متفوقة بشكل كبير على مصر في مجال الفضاء، إلا أنه يقول أنه في حال توفرت ارادة وتصميم مصري على اللحاق بإسرائيل في هذا المجال، فأن هذا ممكناً.

الخوف صعود الإسلاميين

لا خلاف بين قادة الأجهزة الاستخبارية في الدولة العبرية على أن مصر حالياً ملتزمة بقناعة تامة ببنود معاهدة " كامب ديفيد "، ولا تفكر في التراجع عنها. لكن ما يقلق الإسرائيليين ويدفعهم لمواصلة جمع المعلومات الاستخبارية حول مصر، هو ما يشير إليه بصراحة سفيرا إسرائيل السابقين في مصر ايلي شاكيد، وتسفي مزال الذين يؤكدان أن أكبر خطر يتهدد إسرائيل من جانب مصر هو أن يصل الإسلاميون لسدة الحكم هناك. في مقابلتين اجرتهما معهما النسخة العبرية لموقع صحيفة " يديعوت أحرنوت " بتاريخ 6-10-2006، أكد شاكيد ومزال أن تدهور الأوضاع الإقتصادية وتراجع الحياة السياسية فيها أصابا قطاعات واسعة من المجتمع المصري بخيبة أمل، الأمر الذي يؤسس – حسب وجهة نظريهما – لحدوث تغيير قد يؤدي الى وصول الإسلاميين للحكم. وحول مظاهر خيبة الأمل لدى المصريين من واقعهم الحالي، يقول شاكيد " لقد فقدت مصر مكانتها كدولة رائدة في العالم العربي، وكدولة مؤثرة على دول العالم الثالث، ودول عدم الإنحياز، وفي افريقيا ولم تعد مصر دولة مؤثرة، وبالتأكيد ليس في القارة السوداء أيضاً".. وينوه شاكيد الى أن الكثيرين من المصريين يشعرون بالحنق عندما يقارنون أوضاعهم حتى بجنوب افريقيا التي تحررت من الأبرتهايد فقط في مطلع التسعينيات، وكذلك مع مكانة نيجيريا".. ويضيف شاكيد أن هناك ملايين المحبطين في ظل نجاحات الإسلام الراديكالي في الشرق الأوسط، وهم ينتظرون الفرصة ". اما مزال فيعتقد أن إسرائيل مطالبة باليقظة وفتح عينيها على كل ما يجري في مصر تخوفاً من" تحقق السيناريو الفظيع المتمثل في صعود الإسلاميين ". ويعتبر مزال أن صعود الإسلاميين لسدة الحكم في مصر يعني عودة إسرائيل الى المربع الأول من حيث القبول بشرعيتها في المنطقة، ناهيك عما يمثله ذلك من تحولات استراتيجية بالغة التعقيد.

الإستخبارات كعنصر حاسم في النظرية الأمنية الإسرائيلية

الحديث عن الكشف عن المزيد من عمليات التجسس في مصر وفلسطين ولبنان، تأتي في ظل مظاهر الإجماع الإسرائيلي على ضرورة تكثيف العمل الاستخباري ضد العالم العربي. فحتى قبل أن تصدر لجنة فينوغراد التي أمرت الحكومة الإسرائيلية بتشكيلها للتحقيق في أسباب فشل الدولة العبرية في حرب لبنان الثانية تقريرها الأولي، فأن العشرات من كبار جنرالات الجيش والاستخبارات والساسة قد شددوا على أن الإستنتاج الرئيسي الذي تم التوصل إليه من الحرب الاخيرة هو ضرورة مضاعفة الدولة العبرية الجهود والإمكانيات في مجال جمع المعلومات الإستخبارية عن العالم العربي، وتحديداً المعلومات المرتكزة على مصادر بشرية، أي عن طريق تجنيد عملاء. الجنرال شلومو غازيت، الرئيس الأسبق ل " أمان "، أوضح أنه يتوجب اعادة المكانة للمعلومة الاستخبارية كعنصر اصيل من النظرية الأمنية الإسرائيلية. ويضيف غازيت أن المعلومة الاسخبارية تضمن لإسرائيل معرفة مصادر الخطر ومعالجته بشكل دقيق، وبجهود تكافئ الخطر، الى جانب ما يمثله من قوة ردع صادمة للعدو، ناهيك عن أنه يساعد على وضع حد للحرب بسرعة، منوهاً الى أن عدم توفر المعلومة الاستخبارية يفرض على الدولة استخدام طاقات هائلة، وإطالة أمد الحرب؛ مع العلم أن 70% من الجهد الحربي لإسرائيل يقع على عاتق قوات الاحتياط، الأمر الذي يعني أن اطالة امد الحرب سيؤدي الى شل المجتمع الإسرائيلي.