جملة من القضايا المشتتة التي تتطاير بين المتحاورين، لكن السؤال الذي لم يطرح هو إلى أين" أو ما هو الاتجاه الذي يقترحه مجموعة المتحاورين، أو المعارضين، أو الذين يعتبرون أنفسهم "قادة رأي"... والسؤال ليس وليد الصدفة لأن الحياة السورية تائهة بين جملة "الأقوال" الذي يعتقد البعض أن مجرد إيمانه بها يجعلها مسلمات، ورأيا عاما يتبناه الشارع السوري، وهذه التجربة لتعرفنا عليها خلال الانتخابات التشريعية، موضحة أن من يحاول الحديث ربما لا يسمع سوى نفسه، وأن الحديث عن الانتخابات كان أشبة بـ"فنتازيا" يتسلى بها "المعارضون".

لكن "بطولات" الحديث لم تتوقف يوما وهي في نفس الوقت ترسم صورا باهتة لما يمكن ان يسمى "الرأي العام"، فالمساحات الضائعة ما بين النخب والحياة فارغة دوما مع قناعة واحدة أن هناك "توافقا" في الرأي، لا نعرف مصدره او من أين أتت القناعة بهذا التوافق. فما يحدث عمليا هو وجود "متعة" الحديث في شأن واحد... وهي متعة أنتجتها العطالة أو عدم الإنتاج، أو حتى الإغراق في البحث عن تفاصيل لاعلاقة لها بحركة الحياة، فما هو المهم في الرأي المعارض إذا بقي عند حود "القول" الذي ينتهي مع جلسات "المتعة" في النقاش.

ما يدفعنا اليوم لنبش "الأقوال" بدلا من الخطاب السياسي لأي تيار أو اتجاه، هو انحسار "المسؤولية الاجتماعية" عند أي محاولة حوار أو نقاش في الشأن العام، فهناك نوع من الاكتفاء الذاتي داخل أي حلقة بشرية داخل المجتمع، سواء ادعت انها من النخب، أو اعتبرت نفسها تحاول تمضية الوقت بالوصف أو إخراج معاناتها عبر الكلمات.

هذه الدوائر المغلقة لا تنهي فقط عمل المؤسسات، بل تجعل وظائفها مغلقة، فالأحزاب والجمعيات والإعلام هي هيئات أصبحت قادرة على إسماع نفسها، ورسالتها الموجهة للآخرين أصبحت وجهة نظر لا تحمل أي محاولة لاستمالة الطرف الآخر، أو حتى دفعه لتغير السلوك. والقناعة اليوم أن الصورة النهائية للعمل العام هي مجرد "حراك الحديث" الذ يغلق الأبواب أمام أي ابداع أو رسم اتجاه يمكن ان يصبح منتجا في يوم من الأيام.

لا يمكن أن نعول على "الفانتازيا المعارضة" في بناء رأي، ولا على "تراكم" الحديث في إيجاد تحول نوعي في طبيعة رؤيتنا للمسائل العام، لأن المسؤولية الاجتماعية غائبة تماما بينما يحضر "الموقف السياسي" بقوة وبجرأة!!!