محمد بلوط

«أي ذبابة لسعت نيكولا ساركوزي ليعود إلى أيار 1968؟»، تساءلت الاشتراكية سيغولين رويال، أمام أربعين ألف نصير احتشدوا حولها على مدرجات ملعب شارليتي في الدائرة 14 من باريس، وعلى تخوم الأحياء الشعبية من باريس، وقالت «لقد حدث ذلك قبل أربعين عاماً».

لكن اليمين الفرنسي، بلسان علمه نيكولا ساركوزي، لم يكف خلال الحملة الانتخابية عن زيارة هذا المعلم التاريخي، الذي أدار رؤوس الجمهور الشبابي والفتي لرويال تساؤلا، عن معنى أن تختار مرشحتهم، في ذروة حملتها الانتخابية، سجالاً في حدث لم يعد يمت بصلة للشباب الذي يأتي معظمهم إلى «النضال» من الروك أند رول البديل، أكثر مما يأتي من اكتشاف السياسة النقية، ومن غناء الراب الاحتجاجي في الضواحي، الذي يرمي بنصوصه الشرطة بالحجارة، كما كان طلاب انتفاضة أيار في الحي اللاتيني عام 68 ينتزعون الحجارة البركانية السوداء من أزقتها، لمنازلة سرايا شرطة مكافحة الشغب حول جامعة السوربون، وهذا، ربما وجه الشبه الوحيد بين جيلين.

ويطفو أيار 68 على سطح المهرجانات الانتخابية منذ أن قرر نيكولا ساركوزي، استكمال تصفية حسابات اليمين الفرنسي مع اليسار على صفحة لم تنطوِ بعد.

وفي ملعب آخر وأمام الآلاف من المناصرين على مدرجات قاعة بيرسي كان المرشح النيوديغولي ساركوزي، يجعل من منافسته وريثة شرعية لمخربي ايار ,68 كي تسهل إدانتها، «الأخلاق بعد أيار ,68 ما كان لأحد أن يتجرأ ليتحدث عنها»، ولساركوزي «الأخلاق تعويذة من كل شر تسمو بنا فوق الأسوأ، وللمرة الأولى منذ سنين تعود إلى قلب الحملة الانتخابية»، ضد ورثة أيار ,68 الذين يتهمهم «بالتراخي الأخلاقي والفكري» ليطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على اليسار قائلاً «بعد ذلك الشهر لم يعد في فرنسا فرق بين الشر والخير، بين الجمال والقبح، بين الحقيقي والكاذب، حيث يتساوى الطالب والمعلم».

وتنجلي بقوة معاني «نحن امتداد للمحافظين في أوروبا» مقالة ساركوزي في واشنطن قبل سنتين في تلخيص القرابة بينه وبين نزعة المحافظة الأميركية، في هذه المحاكمة السريعة لأيار .68

ويحلم ساركوزي بإتمام ثورة المحافظين الفرنسيين المضادة للتمرد، الذي قالت عنه سيغولين رويال أمام جمهور ملعب شارليتي، شارحةً للشباب إنه افتتح المجتمع الديموقراطي، وأيقظ الحريات والتعدد الإعلامي، والحق بالإجهاض ومنع الحمل، بعد ثلاثين عاما من الجمود غداة الحرب العالمية الثانية، التي عرفت بالثلاثين المجيدة لازدهار اقتصادي كبير أصاب فرنسا، أراد الشباب توزيعا متوازنا له في أيار وفي انتفاضته ضد الجنرال ديغول.

ولأنه لا وجود ليمين مسيحي رجعي فرنسي، يوفر ركيزة لإنعاش قيم المحافظة، كما في أميركا، تعمل الحملة الانتخابية في كل خطاب على استكمال عودة اليمين الفرنسي إلى قيمه المحافظة بتصفية الحساب مع المتمرد أيار، بشعارات الأخلاق في الحملة الانتخابية، وترسيخ سلطة العائلة، والبنى التقليدية، والمعلم في المدرسة، ودعوة الآباء إلى لعب دورهم، وإعادة الاعتبار للعمل وتقديسه، والمصالحة مع الهوية الوطنية، أدخلت ساركوزي في منافسة على استغلال شعاراتها مع اليمين المتطرف.

وزارت رويال الديغولية، كما يفعل ساركوزي في زياراته المتكررة لرموز الاشتراكية الفرنسية من جان جوريس، ليون بلوم، فقالت «إن ديغول، نفسه، وليعد ساركوزي إلى ديغول الذي أطاحت به ثورة الطلاب في أيار، سيجد إنه قال مراجعا ما حدث: ما أراده الشباب هو المشاركة والحوار، فأجبناهم بالعنف».

ورأت أن دعوى ساركوزي المفتوحة على أيار «تخفي رغبة في أن يتكرر ما حدث، لكي يفرض النظام بالقوة»، واستدعت العبارة تصفيقاً حماسياً من أنصارها والشباب، وإيضاحا للالتباس في تردادها في حملتها وعداً بإقامة «النظام العادل» الذي يدعو إلى قيم محافظة لتدعيم سلطة الأسرة، وترميم الاحترام، ولكن بالحوار الذي لم يدركه ديغول آنذاك، فغاب، وهو ما لن يحدث عندما تصبح سيغولين رئيسة لفرنسا.

وفي خضم هذا السجال «التاريخي»، حث الزعيم اليميني المتطرف جان ماري لوبن ناخبيه، البالغ عددهم 3.8 مليون شخص، أمس الأول، على «الامتناع عن التصويت تماماً وعدم إعطاء أصواتهم لا لرويال ولا لساركوزي»، في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الأحد المقبل

مصادر
السفير (لبنان)