من يلحظ اليوم العاملين في مجالات الموبايل والكومبيوتر والإنتاج التلفزيوني وغيرها مما يصنف تحت بند الميديا أو الاتصالات، يلحظ فورا أنهم وكأنهم انتقلوا توا من سوق السيارات ومن قبله سوق العقارات أو..أو الخ من الأسواق التي تهتم بلزق الزبون بيعة، ومن هون لبردى.

والمشكلة الأولى التي تتبدى بهذا الاحتكاك هو ذلك التعامل السوقي ( بمعنييه )المتشاوف والفهلوي الذي ينقصه الكثير من الحس الإنساني، حيث يرميك هؤلاء وفورا انه ليس شحاذا وانه ابن أكابر، صحيح انه أمي بالمعنى العملي والأخلاقي ولكنه ابن العصر، ويفهمك ان بضاعته وصلت له خصيصا من دبي هذا الصباح عبر قدرته على شراء كل شيء، وهو غير مهتم ان حصلت على طلبك أم لا، المهم ان لا تضيع له وقته الثمين ملمحا انه شبعان وليس في عينه هذه البيعة أو تلك.

لسنا هنا في وارد انتقاد عقلية هؤلاء الأميين ووصولهم إلى تجارة أكثر الأدوات حداثة، لأنهم جزء من مشكلة أكبر بكثير هي علاقتنا نحن الشعوب الناطقة بالعربية مع الاتصالات في عالم تفككه وتعيد تركيبه الميديا، فمشكلتنا الأولى هي في إصرارنا على شرح أنفسنا للعالم الذي لم يعد يفهم الشروح، متناسين في خضم انهماكنا في الشرح تقديم أنفسنا ـ تقديم أنفسنا ـ من خلال الإبداع الذي يشرح ويشارك العالم برمته هذه المرحلة المفتوحة على المعلومة التي تتحول إلى معرفة في حال وجدت البيئة المناسبة لها، ومن المثال السابق تبدو بيئتنا المعرفية هي تحت الصفر المعرفي، فالذهنية التي تتعامل مع الميديا هي ليست متخلفة فقط وإنما ذهنية تعمل على هدم هذا التخلف للدخول في الانحطاط، لآن التوظيف الإنتاجي للامكانات يصب في مصلحة معاكسة تماما لممارسة الميديا الحداثية التي تجمع مؤسسيا الجهود الرامية للمشاركة في حياة الكرة الأرضية القرية، لتتحول الميديا من وسيلة اتصال إلى وسيلة انعزال، مع المحافظة على خصوصية النقيق في مناحة أنهم لا يفهموننا، لتبقى كل الأسئلة الناتجة عن هذا النداء الاستغاثي المازوخي ليس دون رد بل في حالة عماء بدئية هائمة، لان الصارخون نفسهم هم من يستخدمون أحدث وسائل الميديا ولكن في الاتجاه المعاكس لها.

اليوم وفي خضم صراخنا أنهم لا يفهموننا نرى عشرات المحطات الفضائية العربية تستنسخ ذاتها وتتمرغ في اعادات لا نهائية لذاتها، صحيح ان أصحابها من الشبعانين ومن أولاد الأكابر... ولكن النتيجة هي... لا.ة مطردة في العزلة والتردي وربما الموات مع صرخة أنهم... لا ... يفهمو..... ن ـ.. ـ ن ..ـ ن ........ا