منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي قضى بوقف العمليات العسكرية في لبنان، بعد فشل “الحرب “الإسرائيلية” الثانية”، لم تتوقف مطالبات جهات “إسرائيلية” عدة باستقالة كل من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش دان حالوتس. وفي الوقت الذي استجاب فيه الأخير وقدم استقالته من رئاسة الأركان ولم ينتظر تقرير لجنة فينوغراد التي شكلها أولمرت تحت الضغط للنظر في طبيعة ما جرى أثناء الحرب، إلا أن أولمرت وبيرتس أصرا على عدم الاستقالة منتظرين تقرير اللجنة لاتخاذ قراريهما بشأنه. الأسبوع الماضي أعلنت اللجنة تقريرها الذي احتوى “نقدا شديدا جدا” للمسؤولين الثلاثة اعتبر في نظر كل المراقبين “الإسرائيليين” كافياً لدفعهم إلى الاستقالة، ومع ذلك أعلن أولمرت أنه لن يستقيل، لكنه سيعمل على “تصحيح الأخطاء” التي ارتكبت أثناء الحرب! وكذلك لم يصدر موقف عن وزير الدفاع رئيس حزب العمل عمير بيرتس بالرغم من أن أحد وزرائه قدم استقالته في اليوم التالي لصدور التقرير.

لقد أظهر استطلاع للرأي أجري مساء اليوم الذي صدر فيه التقرير أن نسبة تأييد 2% التي كان وصل إليها أولمرت قبل صدور التقرير قد اختفت تماما، وبذلك تصبح نسبة التأييد له لدى الجمهور “الإسرائيلي” صفرا، وفي دولة تدعي أنها ديمقراطية على الحكومة أن تستقيل فورا، لكن أولمرت يصر على البقاء بالرغم من ذلك متذرعا بأن الحكومة التي ارتكبت الأخطاء عليها أن تبقى لتصحيحها، ومن الواضح أن قرار أولمرت عدم الاستقالة يؤكد واحداً من الاتهامات (أو الأخطاء) التي وجهتها له لجنة فينوغراد وهو اتهامه بالتسرع في قراراته إذ كان عليه على الأقل أن يعلن أنه يدرس خطوته التالية. أما حجته بالتصحيح فكيف ومن يضمن أن شخصا ارتكب كل تلك الأخطاء التي وجهتها له اللجنة القضائية لن يرتكب أخطاء مماثلة وهو يحاول تصحيح تلك الأخطاء التي ارتكبها؟

في كل الأحوال هناك من رأى أن النقص الذي اعترى تقرير اللجنة القضائية كان المبرر لتمسك أولمرت بالسلطة، حيث لم توص اللجنة باستقالة الحكومة، وكان عليها كما يرى كثيرون أن تفعل. غير أن المهمة التي أوكلت للجنة في كتاب تشكيلها الذي وضعه أولمرت حدد لها حدودا لا تصل إلى التوصية بالاستقالة، وقد التزمت اللجنة بتلك الحدود. وكان هناك بين “الإسرائيليين” من وجه النقد للجنة نفسها من حيث أنها تقيدت بالحدود التي وضعها لها أولمرت، ومن حيث أنها لم تطرح “الأسئلة الصحيحة” الواجب طرحها لاتخاذ قرار في القضية المطروحة. ويرى هؤلاء أنه كان أهم من بحث أوجه القصور في ما يتعلق بالحرب ميدانياً أن تطرح اللجنة وتجيب أولا عن سؤال محدد هو: هل كانت الحرب مبررة أصلا؟ وهل كان ممكنا تجنب تلك الحرب؟

ويرى مراقبون “إسرائيليون” أن الوضع اليوم شبيه بالوضع الذي كان سائدا بعد حرب 1973 إثر تقرير “لجنة غرانات” التي بحثت في “تقصير” حكومة جولدا مائير أثناء الحرب، مع الفارق لمصلحة حكومة مائير، خصوصاً أن لا أحد يمكن أن يقارن قوة أولمرت بقوة مائير ولمصلحة الأخيرة التي استقالت بعد صدور تقرير “لجنة غرانات”. ويرى هؤلاء المراقبون أنه إن كان من المتوقع أن يناور أولمرت الآن ويماطل لبعض الوقت فيرفض أن يستقيل كأي سياسي يريد التمسك بموقعه، إلا أنه سيستقيل حتما في نهاية المطاف، ويتوقعون أن يحدث ذلك في شهر يونيو/ حزيران المقبل على أبعد تقدير.

هذا التوقع يبدو صحيحا، على الأرجح، لأكثر من سبب. فمن جهة إن كانت حجة أولمرت للبقاء تتصل بامتلاك الفرصة لتصحيح الأخطاء التي ارتكبها وحكومته، فإنه لن ينجح في تصحيح تلك الأخطاء لأنها أصبحت جزءا من التاريخ، ولن يستطيع لا أولمرت ولا غيره أن يغير ما مضى من هذا التاريخ وإن كان يستطيع أن يعمل على تزويره، ولأنه مضت حتى الآن على توقف تلك الحرب عشرة أشهر لم تستطع حكومة أولمرت فيها أن تصحح شيئاً، بل وسقط تأييده فيها إلى الصفر ولن يجد الفرصة بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد لتصحيح أي شيء، خصوصاً أن المعارضة ستستغل هذا التقرير إلى الحد الأقصى لإدارة حملتها ضده، الأمر الذي سيساعد على إحداث تشققات في الائتلاف الحكومي وسيفتح شهية ورثة أولمرت داخل حزبه وخارجه على الإمساك بالفرصة لإزاحته، بدفعه أخيرا إلى الاستقالة أو عبر فرض إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

ولكن تبقى في جعبة أولمرت ورقة وحيدة لتجنب النهاية، وهي وإن كانت ورقة خطيرة جداً، إلا أن رجلا مثل أولمرت بمواصفاته التي فضحتها لجنة فينوغراد- متسرع ومتهور وبلا خبرة عسكرية أو سياسية- قد يلجأ إليها، وهي الدخول في حرب جديدة تنقذه من الحرب الماضية الخاسرة التي أوصلته إلى ما وصل إليه، وليثبت أنه “صحح” أخطاءه فيها! وبمتابعة التصريحات والأفعال “الإسرائيلية” في الشهور العشر الماضية يكون السؤال هل ستكون الحرب الجديدة في لبنان أو في غزة؟ إذا اختار لبنان فإنه يأخذ المنطقة إلى حرب إقليمية كبيرة لن يكون كفؤا لها، أما إذا اختار غزة فإنه حتى لو لم يفشل فيها فإنها لن تغير من صورته المتسرعة والمتهورة الشيء الكثير ولن تكون كافية لإنقاذه. وبذلك ليس السؤال اليوم هو هل تسقط حكومة أولمرت، بل متى تسقط؟