لا بد ان لقاء شرم الشيخ بين وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم هو ثمرة للضغط الاميركي الداخلي الذي يتعرض له الرئيس جورج بوش لانهاء حرب العراق، أكثر منه وليد اقتناع لدى الادارة الاميركية نفسها بأن الحوار مع سوريا أجدى من عزلها لحل المشاكل في المنطقة وفي مقدمها العراق.

ولم يكن ينقص إدارة بوش إلا إقرار مدير "السي آي إي" جورج تينيت في مناسبة صدور كتابه "في عين العاصفة" بأن حرب العراق خُطط لها على عجل، واستدعاء لجنة في مجلس النواب رايس للادلاء بشهادة أمام المجلس هذا الشهر عن الادلة التي كانت تملكها الادارة الاميركية فعلاً عندما قررت الذهاب الى الحرب بصفتها كانت مستشارة الامن القومي يوم شن الحرب، كي تتسع دائرة الضغوط على البيت الابيض وسياساته.

ليس هذا فحسب، بل ان الخناق آخذ في الضغط أكثر على بوش من خلال اصدار الكونغرس مشروع قانون يربط المصادقة على التمويل الطارئ للحرب بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق. لا بل اكثر من ذلك، فالنائب الديموقراطي البارز جون مارتا لمح الى احتمال بدء إجراءات لعزل الرئيس في حال إصراره على الاستمرار في الحرب.

في ظل هذه الاجواء الضاغطة أتى اللقاء بين رايس والمعلم، مع طرح كثير من التساؤلات عما اذا كان اللقاء هو بداية تحول في مسار السياسة الاميركية حيال سوريا، أم أنه مجرد خطوة وقائية من ادارة بوش التي كانت بالأمس القريب تنتقد بشدة الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي الى دمشق الشهر الماضي، على أساس ان الادارة تعتبر سوريا جزءاً من المشكلة في المنطقة وليست جزءاً من الحل وفق ما يرى الديموقراطيون.

والملاحظ ان اللقاء رافقه إصرار أميركي على القول أن مضمونه تركّز على العراق، ولم يتطرق الى لبنان، كي تبعد واشنطن عن نفسها أي شبهة باحتمال حصول مقايضة بين الملف العراقي وأي من الملفات الاخرى في المنطقة وبينها لبنان. ولكن ما دام العراق هو المشكلة الرئيسية بالنسبة الى أميركا اليوم، فإن أي انفراج في هذا البلد سينعكس حكماً على بقية الملفات في المنطقة بحكم الترابط القائم في ما بينها ومن ضمنها الملف النووي الايراني.

ولكن مهما حاولت الادارة الاميركية حصر موضوع اللقاء في شرم الشيخ بالعراق، فإن مجرد حصوله يعني تراجعاً عن مبدأ العزل المستمر لسوريا منذ 2003 والذي تصاعد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. وحتى عندما صدرت توصيات لجنة بايكر - هاملتون التي دعت الى الحوار مع سوريا وايران لايجاد تسوية في العراق، قرر بوش تجاهل هذه التوصية من بين التوصيات الـ79 للجنة.

ليس هناك سوى تفسير واحد للقاء، هو ان المعطيات الميدانية في العراق باتت تتحكم بمسار السياسة الاميركية أكثر من التحكم الايديولوجي الذي كان سائداً حتى الآن.

وطبعاً لولا الضغط الديموقراطي في الداخل الاميركي لما كانت ادارة بوش تقبل بالتحدث الى سوريا او ايران.
وعلى رغم ان الادارة الاميركية ستسعى الى التأكيد يومياً ان على سوريا ان تقرن الاقوال بالافعال قبل حصول أي تغيير في العلاقات الاميركية - السورية، فإن لقاء شرم الشيخ يعكس بداية تحول أميركي حيال سوريا سيبقى رهناً بتطور الاوضاع على الساحة العراقية. وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى تصريحين لقائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس والناطق باسم القوات الاميركية هناك الجنرال وليم كالدويل تحدثا فيهما عن ان سوريا تبذل جهداً أكبر منذ فترة لمنع تسلل المقاتلين الاجانب عبر حدودها الى العراق.

مصادر
النهار (لبنان)