من يقرأ التوصيات التي تمخض عنها المؤتمر يعرف تماما وبخبرته العادية أن المسألة لا تتعلق بأجراءات أو تأسيسات أو حتى ممارسات ، فالاعلام العربي جله اذا لم نقل كله منضو سلفا في هذه الاجراءات ، فهو (يسعى) لفضح الممارسات الصهيونية و (يؤكد) على حقوق الانتماء لفلسطين والقدس والجولان ، كما أنه (منتبه) تماما الى المحاولات الاعلامية ألاميركوصهوينية للاندساس في الاعلام العربي والترويج لمصالحها ، كما أنه يتمنى أن يكون هناك مرصد اعلامي أو مصطلاحات موحدة أو حتى افلام وثائقية تفيد بدعم المسألة الفلسطينية على هذا المستوى .

المشكلة في الاعلام العربي ليست في النوايا ، كما انها ليست في التصورات الاجرائية لما يمكن أن يعمل ، فالشعوب العربية التي هي هدف الاعلام على ايمان وثقة ان فلسطين كلها لنا وكذا الجولان وهي عالمة وواعية تماما للأجراءات الصهوينية والاميركية ووحشيتها ، وهي أي الشعوب تتألم جدا وتتمنى أن يكون لها دور في وقفها ودحرها ، ولا أعتقد أن احد يستطيع زحزحتها عن هذا الموقف المبدئي ، لذلك وبالعودة الى اصل المشكلة لنراها موجودة في هذا الاعلام العربي وتقنياته وأهدافه والأهم الثقة به هو نفسه ، لأن النتيجة الاعلامية المتوخاه موجودة ومستقرة عند طرفي المعادلة ( الاعلام والمتلقي العربي)، اي ما يعادل تكرار اليقين المنجز المتحرر من الاسئلة الوجودية الاخرى المسؤول عنها وفيها ففي المقام الأخير هناك انسان معاصر (مواطن مثلا) هو المعني بممارسة الاعلام بعد أن يتلاقاه في صيغ حداثية مقنعة وموثوق منها ، فهل استطاع هذا الاعلام العربي والاسلامي الحصول على هذه المكانة في قناعات ( مواطنه ) أو ما يمكن تسميته المستهلك أو حتى الدريئة؟

مشكلة الاعلام العربي ليس في غاياته المستقرة ولا في نواياه الحميدة، ولكنها في حصوله على قناعة الناس به وهذا لا يتم الا بأثارة الاسئلة الاكثر سخونة ووقاحة وحقيقية حتى يستطيع الادعاء انه صنع علاقة تفاعلية مع جمهوره، مشكلته انه يحتمي (بالمقدس) من القضايا لكي يملي ( تعليماته) معلوماته التي لا يمكن ان ترتقي الى مقام الفعالية دون عقل متلقي تشغله الاسئلة ويبحث بنفسه عن الاجابات.

لقد كانت توصيات المؤتمر مليئة بألفاظ مثل انشاء وتأكيد وتعزيز وتركيز وحث ودعوة ورفض ودعوة والعمل على الخ ما يوضح ان كل المسائل المتناولة هي موجودة عند المتلقي ويعاد العمل عليها أي اعادة تأكيد اليقين. دون النظر الى بنية الاعلام العربي نفسه في معركته الحداثية تماما مع نفسه ليتمكن من النظر الى هذه التقنية (الاعلام) بنظرة حداثية تمكنه من خوض الصراع المفترض مع الاعلام المعاكس، الصراع الذي يفترض وجود بنية قادرة ان تكون ندا تقنيا وحركيا لهذا الاعلام المعاكس .. فهل لحظ المؤتمرذلك ؟