ماذا لو حط مسافر في الزمن في شرم الشيخ هذه الأيام؟ ماذا سيرى؟

سيشاهد من قمرة سفينة فضائه كل شيء، ولا شيء. بمعنى آخر، ستختلط لديه الرؤية بشكل عجيب.

فهو سيعتقد أن السياح الذين يتدفقون على الشرم بكثافة في مثل هذا الشهر من كل عام، هم السياسيون الذين أتوا من 60 دولة ل”نصرة العراق”، وأن السياسيين هم السياح. ولن يكون صاحبنا مخطئاً.

فسياسيو مؤتمر العراق ليس لديهم في الواقع شيء يفعلونه سوى الحضور صباحاً إلى المؤتمر لسماع الخطب الرنانة التي لا تعني ما تقول، ثم الاستجمام بعد الظهر ومساء على شواطئ البحر الأحمر اللازوردية. هذا في حين أن السياح الحقيقيين غالباً ما يحملون معهم إلى المنتجع كل أدوات العمل المعرفي أو الاقتصادي، من الكتب إلى الكمبيوتر، ومن الصحف إلى نشرات الأخبار التلفزيونية.

لماذا هذا الانقلاب في الأدوار؟ ببساطة لأن أعضاء مؤتمر العراق جاؤوا أصلاً إلى الشرم كسياح لا كقادة سياسيين. إذ هم كانوا يعلمون سلفاً أن هذا التجمع الدولي الضخم لن يستولد سوى فأر صغير، وان إجراءً تنفيذياً واحداً منه لن ير النور.

فلا أمريكا (أو على وجه التحديد أمريكا البوشية) جادة حقاً في توفير حل إقليمي للأزمة الداخلية العراقية. ولو أنها كانت كذلك، لما استدعت 60 دولة لحضور هذا الكرنفال، بل كانت قصرت الأمر كله على دول الجوار وبعض الدول الكبرى، كما حدث في مؤتمر الطائف اللبناني العام 1989.

والدول العربية لن تكون مستعدة، برغم بياناتها العلنية في هذا الخصوص، لحسم ديون العراق، طالما أن الموالين لإيران يمسكون بتلابيب السلطة في بغداد. والعراق نفسه لم يكن جاداً في تأكيداته بأنه سيعمل من أجل المصالحة الوطنية وحل مشاكل الأقليات بالتي هي أحسن. ولو أنه كان كذلك، لما جاء إلى شرم الشيخ بل كان سيبقى في بغداد لحل المشاكل وجهاً لوجه.

أجل. مؤتمر شرم الشيخ تعهد بإعفاء العراق من 30 مليار دولار من ديونه. لكن كل الدول المعنية بالإعفاء تقريباً اشترطت أن تسبق الإصلاحات المساعدات. هذا في حين توحي حكومة المالكي بأنه تريد المساعدات أولاً كوسيلة لتسهيل الإصلاحات.

قد يبدو الأمر مع هذه الشروط المتبادلة أن لعبة البيضة والدجاجة قد بعثت من جديد. لكن المسألة ليست كذلك. إنها أسوأ بكثير. فليس في هذه اللعبة لا بيضة ولا دجاجة. كل القصة أوهام بأوهام، وعدسات كاميرات تبحث عن كل ما هو مثير وراء ابتسامات أو مصافحات رايس، وسياسيون يتحولون إلى سائحين في الشرم.

ماذا يمكن أن يطلق صاحبنا المسافر في الزمن على هذا المؤتمر الغريب؟

توصيف واحد على الأرجح: أكبر مسرحية هزلية في التاريخ.. وهو سيكون على حق.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)