مهما كانت توقعات المحللين الإسرائيليين حول احتمالات الحرب، لكن التصعيد الإعلامي يوضح أن "الإرباك السياسي" داخل إسرائيل ليس نتيجة حرب تموز فقط، ولا يستند أيضا إلى تقارير استخباراتية حول استعدادات الجيش السوري، فهذا الإرباك حول مسألة السلام والحرب انعكاس مباشر لحالة عدم الحسم الذي تشهده المنطقة.

عمليا فإن تأرجح السياسة الإسرائيلية حتى فيما يتعلق بحجب الثقة عن حكومة أولمرت يشكل ظلا لمعركة أمريكية مشتعلة اليوم سياسيا وعسكريا، فطرفي الكونغرس لم يقدما حتى اليوم مساحة واضحة لمستقبل الشرق الأوسط بعد ان كسرت الحرب في العراق كل المعايير القديمة، وأصبح من الصعب التعامل مع النتائج التي تركتها الحرب فقط.

هذا الأمر لا يطال فقط الحكومة الإسرائيلية لأنه يمتد حتى في أجواء الحركة السياسية العربية، التي قررت فجأة العودة إلى "المبادرة" التي تم إطلاقها في بيروت، ثم تم تجميد كل الجهود السياسية التي تسارعت قبل القمة العربية، وهو امر يوضح أن أي تحرك إقليمي ليس معطلا فقط، بل فاقد للخيارات نتيجة العجز الدولي في معالجة النتائج التي سببتها "الحروب المتعددة الجنسيات" في المنطقة.

وسواء أكان الصيف حارا ام باردا لكن الواضح أن المخرج الإقليمي لن يكون عاديا، وهو ينتظر عمليا قراءة في "البيئة الاستراتيجية" التي يمكن ان تظهر نتيجة "الخلل" المتراكم منذ احتلال العراق. وهذه البيئة باتت معرفة بالنتائج التي وصلت إليها المنطقة بعد أربع سنوات من تسارع الأحداث:

  فالمشروع الأمريكي الذي تحولت مسمياته فشل في تحقيق مساحة له، لكنه في المقابل أنتج مناخا من التوتر يصعب السيطرة عليه. فالشرق الأوسط الجديد لم "يولد"، بل ظهر شرق قديم ينشط فيه التراث والتصريحات المتصاعدة من الميلشيات التي تدعي امتلاك الحق.

  في المقابل يبدو ان "المشروع الأمريكي" أتاح اختبارا واضحا لقدرة المواجهة، حتى ولو تمت إضاعتها سياسيا، لكنها في نفس الوقت أثبتت أن العالم لا يمكن أن يخضع لجغرافية – سياسية معدة سلفا ويمكن فرضها بالاحتلال والقصف.

هذه الصورة تدعم ضرورة الهدوء عند قراءة طبيعة الأحداث التي مرت على المنطقة، وسورية تحديدا، منذ سبع سنوات. لأن معادلة الصراع لم تتبدل رغم انتهاء "الزمن القديم" لهذا الصراع. والتحول الذي شهدته المنطقة نحو الاهتمام بالحقوق المدنية التي كانت من صلب مشروع الشرق الأوسط الجديد ربما يجب فصلها عن معادلة الصراع وعدم اقحامها بصورة الشرق الأوسط عموما، لأنها قضية مرتبطة بثقافة المجتمع وبإعادة فهمه لحقوقه أكثر من كونها قضية دولية لرسم خارطة المنطقة عموما.

ومهما كانت التوقعات حول الصيف القادم، لكنه في النهاية صورة مركبة للسنوات التي تلت "الانتفاضة الثانية"، حيث بدأت ترتسم ملامح جديدة ليس في تفكير الإدارة الأمريكية، وعلى الأخص بعد أحداث أيلول، بل أيضا لتفكيرنا بأنفسنا وبطرقة التعامل مع مسائلنا سواء تعلقت بـ"الصراع" أو الحريات وحقوق الإنسان.