كان من سهل التفكير بالشرق الأوسط عموما قبل أن يبدأ القرن الجديد، فملامح التكوين الدولي داخل المنطقة استقرت طوال أكثر من عقد، بينما كانت النتائج الاستراتيجية لحرب الخليج الثانية تتفاعل بشكل بطيء.. وقبل سبع سنوات لم تكن استراتيجية "مكافحة على الإرهاب" أو "الحرب الاستباقية" تشكل خارطة داخل الشرق الأوسط، في وقت كانت مراكز الأبحاث الأمريكية تعيد النظر بأساليبها، ووفق الدراسات التي ظهرت في تلك المرحلة فإن أمرين أساسيين سيطرا على دراساتها:

 الأول هو الصورة التي ظهرت عليها الانتفاضة الأولى كونها تشكل "أسلوبا" قتاليا سرعا ما تم ربطه بالإرهاب أو بـ"الحرب غير المتوازية" التي تكسر كافة القواعد وتستعمل آليات مبتكرة.

 الثاني هو السباق الاقتصادي مع الصين وطريقة التحول في السياسة الأمريكية إلى الطريقة الأمبرطورية.

هذين الأمرين انتجا بشكل سريع خلال إدارة بوش استراتيجية جديدة يمكن وصفها بـ"الانقلابية". فلم يدخل عام ألفين حتى اندلعت انتفاضة الأقصى، لكن الولايات المتحدة التي أوفدت وزير خارجيتها كولن باول إلى المنطقة كانت تبحث في الموضوع العراقي، بينما كانت دول المنطقة تنظر إلى فلسطين والحدث الجارف فيها. وبالطبع فغن الولايات المتحدة كانت تريد بالدرجة الأولى إيصال رسالة واضحة هي أن العراق هو الهم الأساسي لها، فاستراتيجيتها في المنطقة بُنيت أساسا على ما يمكن ان يحدث في العراق.

بعد عام ألفين اختلط الحدث الداخلي بالخارجي بشكل فاقع ومباشر، لأن "الشرق الأوسط الجديد" لم يكن كغيره من المشاريع السياسية التي تسعى لاقتسام النفوذ، أو لتثبيت المصالح فقط، فهو يحمل أيضا مساحة هامة من التغيرات الداخلية المفترضة لدول الشرق الأوسط، وهذا البند حتى ولو حمل شعارا ديمقراطيا، لكن في عمقه كان يسعى لإحداث تبدل ثقافي هو جزء من "محاربة الإرهاب".

العنوان الأصعب كان منذ عام ألفين هو التأرجح الاستراتيجي على المستوى الدولي، وهذا الأمر كان مبنيا على "نظرية سياسية" تسعى لتشكيل المنطقة انطلاقا من استهداف "الدولة"، ما خلق معركة صعبة لا تتعلق فقط بأي إصلاح كان يفترض أن يتم، أو محاربة الفساد.. لأنه جملة من المسائل المركبة التي استمرت حتى اللحظة تتفاعل ما بين المسائل الداحلية والقضايا الخارجية.