المشكلة التي تظهر في قراءة دخولنا إلى القرن الواحد والعشرين أننا لم نملك فواصل واضحة يمكن القياس عليها، وعند اختيار أي تاريخ إجرائي للبحث فإن الكثير من التأويلات تظهر وتضعنا في نقطة من الصعب الفصل فيها بين الماضي والحاضر. فالدخول إلى السنوات السبع التي مضت هو محاولة لتحديد مرحلة، مع التأكيد ان الحيادية في هذا الموضوع صعبة. فالأحداث أثرت حتى في البنية الاجتماعية، وفي طبيعة التفكير السياسي.

قبل سبع سنوات تشكلت ظاهرة جديدة داخل الحياة السورية، وبدت في الخطاب السياسي لجميع الأطراف، وعبرت عن رغبة في التعامل مع مرحلة جديدة بالكامل، هذه الرغبة كانت واضحة في مساحات الرأي التي يطلق عليها البعض "ربيع دمشق" لكنها في النهاية ظاهرة تكرست داخل المجتمع رغم انتهاء ذلك "الربيع"، فهي "ظاهرة" انتشرت نتائجها بشكل واضح في عمليات التقييم المستمر، لكنها في نفس الوقت عجزت عن تشكيل تيار واضح الملامح، ليس فقط على مستوى المعارضة، بل أيضا على مستوى "المجتمع السياسي" عموما.

وما يمكن قراءته في هذه الظاهرة متعدد الجوانب، فالحديث عن عدم حدوث تغير سياسي في سورية يجب أن لا يبقى مجرد حالة تقريرية، لأنه يحتاج إلى إعادة نظر في تطور الظاهرة التي رافقت دخول سورية للقرن الجديد، وحجم التأثيرات المتبادلة ما بين إجراءات الدولة والمجتمع عموما. والملاحظ هنا:

أولا – أن محاولات تحقيق "كسب سياسي" كانت أكبر من أي عمل لتحقيق رؤية لما هو قادم، وهذا الموضوع لا يتعلق بطرف واحد فقط. فما يطلق عليه "ربيع دمشق" انطلق عمليا قبل عام ألفين عبر "منتديات اقتصادية"... لكنه وبعض أقل من ستة أشهر بدأ ينتشر ويبلور فكرة لأحزاب سياسية رغم أن العنوان العريض له كان "المجتمع المدني".

ثانيا – الخطاب الأساسي في البداية كان يستند إلى "خطاب القسم" الذي اعتمد كوثيقة على الأقل في معظم الآراء التي انطلقت منذ تموز 2000، ورغم حداثة المرحلة السياسية الجديدة لكن هذه الوثيقة دفعت الحياة السياسية بشكل عام نحو محاولة إعادة تشكيل نفسها من جديد. وحتى نستطيع فهم هذه الظاهرة فإن إغلاق المنتديات لم يمنع حتى اليوم من أن تظهر معارضة تعلن عن نفسها حتى ولو لم تمتلك تيارا واسعا أو هامشا عريضا للتحرك.

ثالثا – الخلل الذي ظهر في عام 2001 لم يكن في إنهاء "ريبع دمشق" بل في طبيعة إخفاق هذه التجربة عند جميع الأطراف. فلم يكن مقنعا الحديث عن "إعادة إنتاج السلطة لنفسها" طالما ان وجوه المعارضة هي "إعادة إنتاج" أيضا، فأهم وجهين من "المعارضة" يتم تداولهما اليوم في وسائل الإعلام الغربية على الأقل كانوا جزءا من التكوين السياسي قبل عام 2000.

الظاهرة اليوم ليست فقط مجالا للدراسة لأن حركة الحياة العامة (وليس السياسة فقط) هي التي تحتاج للاستفادة مما حدث، وربما ما علينا البحث عنه هو حقيقة "المسؤولية الاجتماعية" التي يمكن أن تقدم مسارات إبداعية بدلا من الحديث عن "إعادة الإنتاج" لأي طرف كان.