هناك دعابة تدور في واشنطن. ففي اللحظة التي فقد فيها المحافظون الجدد هيبتهم في الولايات المتحدة بسبب الحرب في العراق, تخرج فرنسا برئيس يتحسس لقضيتهم. وتقوم الدعابة في الحقيقة على مبدأ أن الموضة الأمريكية تصل إلى أوروبة متأخرة دائماً. وهي دعابة لا تخلو من الصحة. إن سياسة الرفض الخاصة بالستينات – " أيار 68" بللصيغة الساركوزية- هي إحدى قواعد المحافظين الجدد ما وراء الأطلنطي, مع الإشادة بقيم العمل, النظام, السلطة واستبعاد القيم الأخلاقية.

هل يصح للسياسة الخارجية ما يصح للسياسة الداخلية ؟ وهذا هو محرك المحافظين الجدد الأمريكيين لسياسة الهجوم التي اتبعوها بعد هجمات 11 أيلول . إن تبادل القبضات بين جورج دبليو بوش وساركوزي في الخريف في واشنطن يبدو أكثر رمزية من وضعه كوزير داخلية مشهود له بكونه محاوراً على أعلى مستوى , من وضعه كمشجع للسياسة الأمريكية.

إذن فجواب السؤال يجب أن يكون مميزاً بدقة. أثناء الحملة الانتخابية, تطور الرئيس الفرنسي الجديد تدريجيا في تناوله للعلاقات الدولية, بجواب على محدثة وصديقه الجديد أندريه غلوكسمان, في إحدى أوائل مداخلاته حول هذا الموضوع لمجلة (Le Meilleur des mondes) طوّر السيد ساركوزي ديبلوماسية تقاطع بشكل واضح الدوغولية التي عاد إليها فرانسوا ميتيران وجاك شيراك.

إن المقدمة الأصلية في النسخة الأمريكية لكتابه " شهادة" (New York Testimony, Pantheon Books, ) تمثّل نشيداً للولايات المتحدة, لمؤسساتها ولتاريخها. ولكن هذه اللهجة الأطلنطية لم تلزمه بالاصطفاف إلى جانب السياسة الخارجية الأمريكية , وليس بمقدور أي حاكم فرنسي يريد الفوز بالانتخابات أن يسمح لنفسه بذلك. بالمقابل, ومع نقده " لعجرفة " السلطات الفرنسية, حرص السيد ساركوزي على وصف الحرب العراقية بالخطأ, عندما قرّر محيطه من المثقفين أن القضاء على نظام صدام حسين يبرر التدخل.

مع ذلك, قإن رفض أي تسوية مع الديكتاتورات, حتى لو كانوا أصدقاء لفرنسا, والإصرار على الدفاع عن حقوق الإنسان كأساس للسياسة الخارجية, ادعاء الارتباط بإسرائيل, وضع المسافات المعلن بينه وبين فلاديمير بوتين, كل ذلك يفترض أن يحمل سياسة خارجية جديدة تحيد إن لم نقل تقاطع, سياسة الرؤساء السابقين للجمهورية الخامسة.

هل سيفعّل السيد ساركوزي هذه السياسة؟ عدة أسباب تدفع إلى الاستمرارفي السياسة القديمة: تقاليد( كي دورسي), الثقالة الثقافية, علاقات القوى الدولية وكلها لا تترك مجالاً للابتكار.وعدة أسباب أخرى تدفع إلى التغيير: الإرادة الشخصية لرئيس الدولة, الفرصة لكسر الروتين, والتي يتيحها تجدد اللاعبين الدوليين...

سيقول المشككون أنه, بعد مرحلة من عدم اليقين وجولة من المراقبة, سيضع الرئيس علامته ثم يعود إلى الدور الوسط اي السياسة الخارجية الفرنسية التي مورست منذ عام 1960. وليس مؤكداً أن يكونوا على حق. فمن باب التهور الاستهانة بإرادة الرئيس وبقوة الإقناع التي يملكها في الخارج, والمدعّمة بالتبادل مع المثقفين الذين يتحسسون للديبلوماسية الواقعية. والأهم يجب نأخذ في الاعتيار المظهر الفرنسي بعد الانتخابات يوم الأحد. لقد ذبح السيد ساركوزي الدوغولية وفي اجتماع لكل اليمين, وهذا الذي لن يكون بلا تأثير على الفعل الخارجي الفرنسي.