بين "أجندة" ساركوزي "القادم"... وتركة توني بلير "المغادر"!

أجندة الرئيس الفرنسي المنتخب نيكولا ساركوزي وما ينتظره من تحديات، وإعلان توني بلير عن موعد نهائي للتنحي، وأوجه الشبه بين حربي العراق وفيتنام من واقع العناصر المشتركة بينهما، موضوعات ثلاثة نستعرضها خلال جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

ما ينتظر ساركوزي: انتقل كتاب الافتتاحيات وصفحات الرأي بالصحف الفرنسية هذا الأسبوع بسرعة من سجالات الشوط الثاني، إلى تعداد حجم التحديات المتراكمة على طريق الرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي. "باسكال أوبير" كتب افتتاحية في "لاتيريبين" اعتبر فيها أن مهمة إعادة وضع القطار الفرنسي المترنِّح على سكة القرن الحادي والعشرين ليست مهمة سهلة بأي حال. وإذا عرفنا أن الوقت الضائع لا يمكن تعويضه أبداً في مجال السياسة وتسيير الشأن العام، فإن على الرئيس المنتخب أن يتذكر مآلات فترة العقد ونصف الماضية من حكم سلفه، التي مرت كلمح البصر، والتي تركت كل هذه التركة الثقيلة من الأزمات الاقتصادية الاجتماعية المُعلَّقة. والمطلوب من ساكن الأليزيه الجديد هو أن يُتبع الأقوال بالأفعال، وأن يبرهن على أنه حقاً رئيس لكل الفرنسيين، وهذه مهمة غير سهلة بأي وجه هي الأخرى كذلك. وفي "لا شارانت ليبر" كتب دومينيك جارو افتتاحية توقع فيها أن يكون أول ما يعمد إليه "ساركوزي" هو مغازلة بعض شخصيات "اليسار" وكافة شخصيات "الوسط" بضمهم إلى حكومته أو على الأقل إقناع أكبر قدر منهم بجدوى مشروعه، وذلك لقطع العُشب كاملاً من تحت قدمي فرانسوا بايرو بالذات قبل أن ينهي هذا تشكيل "الحركة الديمقراطية" الجديدة التي أعلن عن قرب تشكيلها. أما في "لافوا دينور" فقد خصص "أولفييه برجيه" افتتاحيتها لدلالات مستويات اتصال الزعماء الأجانب بساركوزي للتهنئة بالفوز، مشيراً إلى دلالة نوعية الاتصال ما بين رسالة رسمية، واتصال هاتفي، وبيان بسيط، على مستوى الاحتفاء لدى رؤساء الدول المختلفة بـ"الضيف" الفرنسي الجديد على أسرة الزعماء الدوليين. وفي صحيفة لوفيغارو –اليمينية الموالية بقوة لساركوزي- كتب مجموعة من أبرز المحللين ذوي النزعة اليمينية، خلال اليومين الماضيين، مقالات احتفاء وتوجيه للرئيس المنتخب. فمن جانبه عنون "إيف دي كريدل" مقاله: "جددوا الهواء... وغيروا العهد"، وفيه دعا ساركوزي إلى أن تكون التغييرات التي وعد بها في طريقة التسيير وليس في الميزات الشخصية، في حين اعتبر ميشل جينير الرئيس المنتخب "رجل زمانه"، أما تييري وولتون فقد كتب مقالاً بعنوان: "مع نيكولا ساركوزي... نهاية الاستثناء الفرنسي"، معتبراً أن الرجل سيحدث تحولاً "محافظاً جديداً" في فرنسا كذلك الذي أحدثه الرئيس ريغان في أميركا، ومارغريت تاتشر في بريطانيا، وخوزيه ماريا أثنار في أسبانيا، وسيلفيو برلسكوني في إيطاليا. ومن المنتظر أن يكون التحول المحافظ الفرنسي مراعياً طبعاً للخصوصية الفرنسية، مما سينزع محاولات "الشيطنة" الطويلة التي قادها منتصرو الحرب العالمية الثانية الفرنسيون من شيوعيين وديجوليين ضد كل ما هو يميني أو محافظ في "الجمهورية.

تركة توني بلير: هذا هو عنوان افتتاحية صحيفة لوموند ليوم الجمعة (أول من أمس)، التي اعتبرت فيها أن إعلان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الآن عن موعد قريب لتنحيِّه يأتي على رغم إرادته، فهو مُكره من قبل جمهور بلاده العريض. وإذا نظرنا إلى تركة بلير السياسية نجد أنه نجح أولاً كزعيم، قبل أن يغرق نهائياً في المستنقع العراقي الذي أجهز على شعبيته بالضربة القاضية. ومع نجاحه في كسب رهان تحديث أمة قديمة ومحافظة كالأمة البريطانية، وعلى رغم نجاحاته الاقتصادية الكاسحة والتي لا جدال فيها، إضافة إلى جعله الحكم الذاتي في اسكتلندا وبلاد الغال حقيقة لا وهماً، فإن هزيمته السياسية في العراق كانت مُدوية، وتجبُّ أي انتصار في حرب أخرى حتى لو كانت بحجم إنهاء النزاع في إيرلندا الشمالية. ويبقى معرفة ما إذا كان حكم التاريخ عليه سيكون رحيماً، أم أنه سيكون قاسياً، كما هو حال حكم مواطنيه عليه اليوم. أما في لوفيغارو فقد كتب نيكولا باريه افتتاحية ليوم أمس (السبت) بعنوان: "بلير... ونحن"، تحدث فيها عن زيارة رئيس الوزراء البريطاني قبل يومين لباريس لتوديع شيراك، ولتهنئة ساركوزي. ومع أن صواب تقييم شيراك المبدئي لحرب العراق يقوي موقفه في وجه ضيفه، إلا أن حصيلة فترة حكمه اجتماعياً واقتصادياً لا توازي حصيلة حكم بلير بأي شكل. أما الدرس الذي لاشك أن بلير ألهمه لساركوزي فلم يكن بحاجة إلى تورية. فبلير عندما جاء إلى السلطة لم يلغ بجرة قلم إصلاحات مارغريت تاتشر بل بنى عليها وطورها وحقق بسببها هرماً هائلاً من النجاحات أدى إلى ازدهار الاقتصاد البريطاني بشكل لا سابق له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. والمقارنة بين التجربتين الفرنسية والبريطانية خلال العقد الماضي، هي باختصار مقارنة بين النجاح والفشل، بين المبادرة والتردد والتقوقع. لقد قرر بلير، صاحب "الطريق الثالث"، أن يقود بلاده بجرأة ودون تردد أو عُقد لمواجهة جميع تحديات مشهد اقتصادي دولي متعولم ولا مكان فيه للمتقوقعين والمتكلسين وأصحاب نظريات التسيير التقليدية والليبرالية العتيقة. وكانت نتيجة هذه المبادرة باهرة، بتلاشي معدلات البطالة ونمو اقتصادي سنوي ملفت حقاً –والعبارة لصندوق النقد الدولي- هذا في حين ما تزال شراذم اليسار الاشتراكي الفرنسي –المعادلة لبلير إيديولوجياً- تراهن رهاناً خاسراً على "مقاومة" وهمية وعقيمة في وجه اقتصاد العولمة. وفي "لوبروغريه" اعتبر فرنسيس بروشيه أن اللياقة ربما هي ما منع بلير من لفت انتباه مضيفه الرئيس شيراك، قبل يومين، بالقول: انظرْ الآن ما حققه كل منا لبلاده. فخلال 12 سنة من حكم شيراك و10 سنوات من حكم بلير تنخفض نسب النمو في الاقتصاد الفرنسي باستمرار وترتفع نظيرتها على الجانب الآخر من بحر المانش، ويتسكع الشباب الفرنسيون الآن بحثاً عن فرص عمل في بريطانيا، في حين يقضي المسنون البريطانيون إجازات تقاعدهم المريحة في فرنسا. وليس هذا كل شيء.

العراق وفيتنام... مماثلة حقيقية: كوين لينز كتبت مقالاً تحليلياً في صحيفة لوموند جاء بعنوان: "العراق، فيتنام، والكونجرس"، اعتبرت فيه أن التشابه بين الحربين لم يعد توسعاً في استخدام دلالات الألفاظ والتشبيهات، بل أصبح تماثلاً في الخطوات والآليات. فاللافتات التي حملها مناهضو حرب العراق مؤخراً في أميركا، والتي تقول: "كلمة العراق هي الترجمة العربية لكلمة فيتنام" لم تكن خالية من المعنى، فـ"العراق هو فيتنام جورج بوش"، كما قال بحق السيناتور "الديمقراطي" أدوارد كينيدي. إن الحربين متعادلتان الآن في النتيجة، والمواجهة القائمة اليوم بين البيت الأبيض والكونجرس باتت فقط على الاستراتيجية الأنسب لـ"الخروج" وليس على البقاء، وهنا أيضاً يمكن تذكر الطريقة التي انتهت بها حرب فيتنام. كما أن تبرير الحربين أيضاً متماثل وهو في كلتا الحالتين القول إنها لـ"حماية الولايات المتحدة" من تهديد ماحق. ولعل الفرق الوحيد هو في حجم الخسائر الأميركية في الأرواح ففي فيتنام قتل 58 ألف أميركي في عشر سنوات، وفي العراق قتل 3330 في أربع سنوات. وأيام أحلك مراحل حرب فيتنام لم ينفك البيت الأبيض يتحدث باستمرار عن "علامات مشجعة" و"تقدم" يتم تحقيقه، وهو ما نسمعه الآن بخصوص العراق أيضاً. وأخيراً تقول الكاتبة إن الرئيس الأسبق جونسون كان يتألم ويعبِّر عن خشيته من أن يكون أول رئيس أميركي يخسر حرباً، أما جورج بوش الآن فقد يخفف عليه اليوم الشعور بالمرارة أنه ليس أول رئيس تتجرع أميركا على يديه مرارة الهزيمة في حرب.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)