دافيد كيمتش

دعونا نواجه تلك الحقيقة! معظمنا تقريباً يعتقد أن حرب الصيف كانت مبررة، ورغم كل ما ورد في تقرير فينوغراد ما زلنا إلى الآن نحتفظ بذلك الاعتقاد.

إن الأشخاص الذين صفقوا للقرار بحماسة كانوا غير قادرين بالطبع على معرفة الظروف أو الطريقة التي تم اتخاذ ذلك القرار من خلالها. حتى أنهم كانوا يجهلون أن الجيش غير مستعد لتلك الحرب وأن القرار يفتقر إلى إستراتيجية عميقة. مما لا شك فيه أن الاعتماد كان يرتكز ضمنياً على قدرات الجيش والقادة.

وأن حزب الله قد تجاوز أحد الخطوط الحمراء ولا بد من محاسبته.

إن ذلك الشعور مفهوم لدى الجميع. ومن المؤكد أن اتخاذ قرار الحرب ضروري إذا كان فيه إرضاء لسياسة ما ولكنه يجب أن يكون الوسيلة الأخيرة التي تستخدم بعد طرق جميع الأبواب الممكنة وسبر جميع المنافذ ومعرفة أنها مغلقة جميعاً.

واليوم ومع اقتراب الصيف نسمع اصواتاً كثيرة تنبئنا بحرب قادمة ولكن هذه المرة مع سوريا وليس مع حزب الله في لبنان. وإذا حدث ذلك فعلاً فإن تلك الحرب ستكون أغبى حرب تخوضها إسرائيل في تاريخها، فليس هناك من ضرورة لها أو أسباب.

نحن دولة خبرت الحروب طويلاً. وعلى الأقل كان بإمكاننا تجنب أقسى وأمر حرب وهي حرب يوم كيبور، وكان بمقدورنا منع تلك الحرب بنفس الطريقة التي يمكننا اليوم فيها منع الحرب مع سوريا اليوم.

قبل عام تقريباً من حرب يوم كيبور اقترح أنور السادات على إسرائيل الدخول في مفاوضات سلام وقال لنا "السلام مقابل سيناء". ولكننا خذلناه وكانت النتيجة في النهاية أننا وافقنا على السلام مقابل سيناء ولكن بعد خوض حرب راح ضحيتها أكثر من 2.000 جندي إسرائيلي وآلاف الجرحى. لقد كان الخطأ الذي ارتكبته غولدا مائير في سماحها باندلاع تلك الحرب أشد بكثير من أي شيء فعله ايهود أولمرت العام الماضي. لقد كان بإمكانها قبول اقتراح السادات وقول "نعم، تعال نتفاوض" تماماً كما يمكن لاولمرت قبول اقتراح الأسد اليوم. لقد كان بإمكانها تفادي الحرب وتجنب خسارة كل تلك الضحايا، تماماً كما يمكن لحكومتنا أن تفعل اليوم مع سوريا.

كم من الضحايا سنفقد إذا اندلعت نيران الحرب في الجولان هذا الصيف؟ من المؤكد أن كل ذرة نخسرها في مثل هذه الحرب ستكون دون جدوى، لأننا في النهاية سندخل في مفاوضات مع السوريين، وسنصل إلى اتفاق مع دمشق بشأن الجولان، تماماً كما فعل مناحيم بيغن مع مصر بشأن سيناء.

في الأسبوع الماضي صرح مستشار الأمن الوطني لدينا، أيلان ميزرا قائلاً إن المبادرات السورية للتفاوض معنا بشأن السلام مبادرات صادقة.

ميرزا ليس معروفاً جداً لدى الشعب الإسرائيلي. فقد كان موظفاً مرموقاً في جهاز الموساد قبل توليه لمنصبه الحالي، وهو لا يطمح لتحقيق شعبيته في الأوساط السياسية فهو يخجل من هذه الأوساط ولكنه شخص ذكي جداً. ومن المؤكد أنه لم يكن لنطق بتلك التصريحات لو لم يكن قد حلل الوضع السوري برمته، ولو لم يكن مقتنعاً تماماً بأن الدخول مع سوريا- في المفاوضات وليس الحرب- أمر ضروري جداً بالنسبة لنا.

لذا فإن السؤال الذي يطرحه نفسه هنا: لماذا يصر ايهود أولمرت على السير على خطى غولدا مائير، وارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبتها؟ ومن المستحيل أن يكون الأمر بسبب أمريكا. لأننا بعد كل شيء رأينا وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تلتقي وزير الخارجية السوري وليد المعلم، كما أنها لم تقل أي كلمة بشأن زيارة نانسي بيلوسي إلى دمشق ولقاء الرئيس الأسد.

إن الحقيقة المؤلمة التي تبدو اليوم هي أن ايهود أولمرت ضعيف جداً وغير قادر على قيادة أي مبادرة جديدة. وبدلاً من تبني مبادرة جيدة يقع رهينة لما يراه الرأي العام الشعبي. فمن الأسهل له عدم القيام بأي شيء من المجازفة وخسارة بعض من أتباعه من خلال اتخاذ خطوات جريئة وإيقاف النزاع مع الدول المجاورة لنا، رغم أنه بتجاهله للمبادرات السورية يجازف بإشعال يوم كيبور آخر. فتلك الحرب اشتعلت بسبب رفضنا لفتح محادثات سلام مع جيراننا.

هناك مثل عربي قديم يقول "الجار قبل الدار" ونحن لم نتبع هذا المثل عندما عدنا إلى هذه الأرض. والسوريون ليسوا بالجار السهل. فهم يدعمون حزب الله وحماس ويغازلون ايران. ومن المؤكد أن مطالبنا بفتح محادثات مشروطة لن تغريهم أبداً. ولكن قد ننجح بإغرائهم باتخاذ خطوات قبل بدء المفوضات مثل وضع ثوابت لتمهيد الطريق نحو الاستقرار. وإذا لم ننجح نكون على الأقل أظهرنا للعالم ولهم رغبتنا بصنع السلام معهم.

وإذا لم نتمكن من ذلك، وأعاد التاريخ نفسه ووجدنا أنفسنا في الصيف القادم غارقين في الحرب مع السوريين، لن نكون بحاجة للجنة فينوغراد أخرى تخبرننا بأننا كنا على خطأ. سيكون ذلك واضحاً جداً بالنسبة لنا جميعاً.

مصادر
جيروزاليم بوست (الدولة العبرية)