أقيم في المعهد الثقافي الدنمركي في دمشق مساء الاثنين؛ حفل استقبال دعي إليه عدد من ممثلي وسائل الاعلام المحلية و العربية, للاعلان عن مؤتمر "العلمانية في المشرق العربي". و من المنتظر أن تبدأ أعمال هذا المؤتمرالخميس القادم (17 من أيار الجاري), وفق برنامج محاضرات مكثف نسبيا, و على مدى يومين كاملين, يستهلهما الباحث المعروف جورج طرابيشي في اليوم الأول (حوالي العاشرة صباحا) بمحاضرة تحت عنوان: " العلمانية إشكالية إسلامية- إسلامية", على أن يتابع المؤتمر فعالياته مع نخبة من المحاضرين و الباحثين من كل من سوريا و لبنان و الدنمارك, يأتي في مقدمتهم الدكتورعزيز العظمة و الأستاذ محمد كامل الخطيب و الدكتور عاطف عطية و الباحثة ماني كروني و السيد ابراهيم الموسوي و المفكر جودت سعيد, إضافة إلى النائب الدكتور محمد حبش و المطران يوحنا ابراهيم و غيرهم .

الكاتب "لؤي حسين" صاحب فكرة المؤتمر, و مدير "دار بترا" أحد المنظمين الرئيسيين للحدث إلى جانب "المعهد الدنمركي" و "دار أطلس" تحدث إلى (سوريا الغد) عن أسباب هذا الملتقى:

جاءت فكرة المؤتمر في الأساس نتيجة طغيان الخطاب الطائفي من حولنا جراء النزاعات الدائرة في المنطقة, و هو خطاب غير عقلاني يملك أن يتسرب و يتسلل بالتأكيد إلى أذهان السوريين و أفكارهم, وباعتقادي نحن بحاجة إلى أن نقدم خطابا آخرأكثرعقلانية, و ليس بالضرورة أن تكون العلمانية فيما نقصده كمنظمين حلا لهذا الجانب؛ وإنما هي فكرة تصلح لأن تكون مجال بحث و ميدانا للحوار.

إذا هل يمكن اعتبار أن هذه الخطوة هي مجرد ردة فعل على ما يجري حولنا من أحداث؟

بالطبع لا, هذا المؤتمر يأتي في سياق نشاط أقدم و أفكار سابقة, و الدافع ورائه هو اعتقادنا أن مسألة العلمانية قد تراجعت بشكل أو بآخر في بلدنا, هذا من جانب, و من جانب آخر اقتناعنا أن العلمانية يمكن أن تشكل كثقافة مجتمعية -جزء منها هو أداء السلطات و الحكومة- ضمانة جيدة لسلامة الناس و أمنهم, عدا عن اعتقادي الشخصي أنه لا يمكننا أن ننجز أي خطوات على طريق الديمقراطية ما لم نكرس مسالة العلمانية في البلد.

تحدثت عن تراجع العلمانية في سوريا, إلام ترد ذلك؟

هناك أكثر من ظاهرة تلفت الانتباه في على هذا الصعيد, أقله فيما يعني السلطات القائمة التي من الملاحظ أنها باتت تفسح المجال واسعا أمام تدخل رجالات الدين في مواقع لا تخصهم, و دخول هؤلاء ميادين سياسية, أو لها ارتباط هام بالسياسة, و مراعاة تلك السلطات لمشاعر المشايخ, مقابل عدم مراعاتها مشاعر الفئات الأخرى مثلا.

و يحضرني هنا نشاطات عديدة في هذا السياق لبعض المثقفين الذين تم إبلاغهم من قبل جهات ثقافية رسمية بأنه لا يمكنهم القيام بهذه النشطات مراعاة لمشاعر هؤلاء المشايخ!

كذلك لاحظنا ظاهرة أخرى لها علاقة بالتعليم و مناهجه, كتلك الرسالة التي رفعت للرئيس بشأن موضوع التدريس في المدارس الشرعية, و كانت تحتوي على فقرة مهمة جدا توجه إدانة لموضوع التعليم المختلط, و هو أمر من الأمور التي لا يحق لرجال الدين التدخل فيها أو تقييمها, لأن من يحدد هذا الجانب هم خبراء المناهج التعليمية و التربوية, و ليس رجال الدين أو أية أشخاص آخرين.

مثل آخر هو ظاهرة (القبيسيات), و التي مكنت من بعض المنابر -كما سمعنا في الأخبار- و أتيح لها أن تعطي دروسا في ثلاثة مساجد, من دون أن يعرف السوريون من هن هؤلاء (القبيسيات), أو إلى ماذا يدعين, و لا ماهية تنظيمهن, و لا أي شيء آخر عنهن, و هذا -وفق تقديري الشخصي- إخلال بروح الدستور السوري. و طبعا هناك الكثير من الأمثلة الأخرى حول هذا الموضوع.

الإضاءة على العلمانية الآن؛ هل هو سعي لاستعادة موقع ما, أم محاولة للانتقال بالمجتمع إلى طور أجد؟

العلمانية هي خطوة مركزية و أساسية للحداثة, و لا يمكننا الاشتغال على الحداثة بدون علمانية,
كذلك ليس باستطاعتنا الحديث عن الديمقراطية دون التطرق إلى العلمانية, و بالتالي فالعلمانية ضرورة لثقافتنا المجتمعية, و ضرورة لنظمنا و تشريعاتنا, بالقدر نفسه الذي هي فيه ضرورة أيضا لفكرة التسامح الديني الشيء المفترض أنه قائم لدينا في سوريا نتيجة لتعدد المذاهب و الأديان و الطوائف, ناهيك عن تعدد الاثنيات و القوميات, لهذا كله نحن بحاجة ماسة لثقافة تسامحية, و لا أعني بها تلك التي تفرض من جهات مهيمنة على جهات اصغر, سامحة لهذه الأخيرة أن تعيش تحت (جناها), و إنما عنيت بالتسامح تمكين الناس من أن يعيشوا مع بعضهم بعضا بغض النظر عن خلفياتهم الدينية.

ما الذي تقترحه العلمانية كحل للأزمات المزمنة في هذه المنطقة من العالم؟

عندما أنظر إلى ما يدور حولنا أشعر بقلق كبيرعلى سوريا, و بتقديري لا حل إلا بالعلمانية, و هذه النزاعات الطاغية الآن في العراق و لبنان و خاصة الطائفي منها لا يمكن إيجاد مخرج منها إلا بالعلمانية, سواء على صعيد الثقافة أو -و هو الأهم- على صعيد نَظـْم ِ علاقة الدولة مع الدين, و بدون هذا الجانب لا يمكن لأي مشروع آخر أن ينجز استقرارا من أي نوع, و لا أن يحسم هذه النزاعات الطائفية التي نعاني منها عمليا منذ مئات السنين في المنطقة, و التي هي ليست نتيجة لتدخل امبريالي أو أميركي أو سواه, و إنما نتيجة لعدم تحقق الإصلاح الديني, و استشراء ذلك التكفير القائم بين الطوائف و المذاهب.

على من ستعتمد من بين المفكرين في هذا المجال لإيصال وجهة النظر هذه إلى الجمهور؟

بتقديري يوجد بين المحاضرين عدد من الشخصيات التي اشتغلت جيدا على موضوع العلمانية, و بغض النظرعن اتفاقنا في الرأي معهم من عدمه؛ فهؤلاء الباحثين قد أصبحوا بمثابة مرجعيات فيما يخص هذا الأمر, أذكر منهم الدكتورعزيز العظمة, و الأستاذ جورج طرابيشي, و كذلك ضيفنا القادم من لبنان الدكتورعاطف عطية, و كلا ً اشتغل جيدا على هذا الموضوع, و أغناه بأكثر من كتاب, و أكثر من مقال و دراسة, و لا أريد أن أنسى هنا أيضا الأستاذ محمد كامل الخطيب؛ و الذي قام بتقديم أبحاث غاية في الأهمية, و أنجز توثيقات بارزة على هذا الصعيد .

هناك أيضا لفيف من الأشخاص الآخرين المهتمين بقضية العلمانية, سواء كانوا من مؤيديها أم من المعارضين لها, و تنوعهم الثقافي هذا يمكن له أن يغني هذه الندوة.

بماذا يتميز هذا المؤتمر عن غيره من الفعاليات التي من الممكن أن تندرج تحت ذات الباب؟

أنا في الأصل لا ألاحظ أن ثمة نشاط في سوريا على موضوع العلمانية بالذات, و هذا ينسحب بدوره كذلك على كثير من الموضوعات الأخرى ذات الطبيعة المركزية, كمقولة (الديمقراطية) مثلا -من جملة مقولات أساسية أخرى-, لكنني أذكر أنه سبق و أقيمت بعض المؤتمرات حول هذا الشأن, غير أنها افتقدت للطابع الثقافي, ربما كان لها طابع سياسي ما, يأتي في إطار مواجهة (داخل) أو مواجهة (خارج), و ما إلى ذلك, فيما عدا ورشة عمل أقيمت من حوالي الشهر, في معهد دراسات الشرق الأدنى الفرنسي بدمشق, حيث تمت استضافة بعض الضيوف الفرنسيين و الأوروبيين مع عدد من الباحثين و المهتمين السوريين, لكنها كانت ورشة عمل مغلقة, و بالتالي فإن طبيعتها مختلفة عن طبيعة العمل الذي نعمل عليه نحن في مؤتمرنا, وقد انحصر النقاش هناك ضمن دائرة ضيقة, و خلا من أي تنويع مهم, ولم يكن هناك ثمة حضور بالنظر إلى أن الدعوة لم تكن عامة, أما هنا فسنسعى من طرفنا لأن يكون هناك نقاش واسع مع الحضور, و قد حرصنا في دعواتنا أن تصل إلى عدد مهم من المثقفين السوريين و المهتمين بهذا الشأن و من كل الأطياف .

الشيء الأخر الذي قد يكون مميزا في مؤتمرنا؛ هو اهتمامه بالعلمانية في (المشرق العربي), و قد قصد من وضع هذا التحديد الجغرافي في العنوان إبرازأننا نسعي إلى الخروج من الكلام في العموميات, أو الخوض في التجارب التي قد تكون بعيدة عنا, كالتجربة الفرنسية أو البريطانية أو الاميريكية أو سواها, حيث من الممكن دائما أن نقرأ هذه التجارب؛ لكن بحثها هو موضوع آخر تماما.

هل تلقيتم أي دعم من الحكومة السورية أثناء تحضيركم لهذا المؤتمر؟

نحن لم نطلب أساسا أي دعم حكومي, و اكتفينا بمواردنا الذاتية, و ربما لو كنا طلبنا إلى بعض الجهات لكانت قدمت شيئا ما, لست متأكدا تماما, لكنني اشكك في أن تقوم وزارة الثقافة بمثل هكذا مبادرات, أو حتى أن تقدم شيئا في هذا المجال, فقد حصل أن حاولنا الاستعانة بهم على تقديم طلب بسيط إلى مؤسسة الطيران عن طريق وزارة النقل؛ بغرض تخفيض كلفة تذاكر الطيران لضيوفنا القادمين من الخارج لكن وزير الثقافة لم يوقع الطلب أبدا!

حاوره
خالد الاختيار