قاسيون

الكلفة 500 ل.س... إذا صادفتك سيارة شرطة (مثال على ذلك ما حدث يوم 6/5/2007 حوالي الساعة التاسعة مساءً.. في مساكن برزة، والسيارة تضم أربعة عناصر تحمل الرقم 40463/)... بينما تكون سائراً برفقة قريبتك أو زميلتك أو حتى صديقتك... وفي التفاصيل الاعتيادية لهذه الحادثة وشبيهاتها السابقات واللاحقات... أن أحد رجال الشرطة ترجل (أو يترجل) مطالباً بالهوية: «يا أستاذ إذا سمحت الهوية.. يا آنسة إذا سمحت الهوية»..

وبعد التدقيق.. كان (وسيكون) رد الفعل المباشر من السيد المترجل: «تفضلوا معنا على القسم».. مع خيار آخر فتح بطريقة حرفية غير مباشرة كنافذة للحل (يعني... ويعني... وفهمك كفاية)، وأمام هذين الخيارين مضاف إليهما شعور الشاب والشابة بالإرباك والصدمة لأمر كهذا... (وهو لا يحدث إلا في بلدنا سورية) يبقى الخيار الأسهل والأقل كلفة هو: دفع الـ 500 ل.س، والذي من المفترض أن يحمي ماء الوجه... خاصة وأن الكلفة كبيرة جداً من وجهة نظر مجتمع محافظ، واعتباراته الاجتماعية أغلى من الحل الآني المطروح المتاح بكثير... وعند أخذه الـ 500 ل.س كان (وسيكون) رده أنها لا تكفي لأربعة فنريد أكثر...

إنها واقعة لها بعدان...

الأول يخص الزاوية (تعا.. نحسبها..) الواردة بها هذه الحادثة، وهو مادي بحت... يطرح من وجهة النظر المعهودة... ماذا لو صادفوا في ذلك اليوم أكثر من مجموعة من النموذج السابق، واستخدام الطريقة نفسها التي يبدو أنها احترافية للمترجل من السيارة. والخلاصة هنا أن كل شاب وشاب... صادفتها هذه المجموعة بالذات أمنت مبلغاً وسطياً بين الـ 500 ل.س والـ 1000 ل.س، إذا لم يكن أعلى في بعض الحالات... والوسطي هنا مرتبط بعدد سيئي الحظ المارين من هناك، والتقدير لمن يرغب أن يضرب بـ 750 ل.س وسطياً مضروباً بعدد ساعات العمل الفعلية لهؤلاء...

من ناحية أخرى... وفي بلد كسورية مؤسس للمدنية الأولى... فللحدث بعد ثانٍ... اجتماعي مرتبط بتكوين ثقافي تاريخي في مجتمعاتنا... تعكس توازن هذه المجتمعات وتطورها من حيث علاقاته الإنسانية الاجتماعية التاريخية... والخوف من أن تؤسس أحداث فردية متفرقة كهذه (لا تمثل إلا أصحابها) لحالة جديدة شاذة تظهر لاحقاً تخوف أفراد المجتمع منها... وترسخها كخوف اجتماعي لتصبح ظاهرة معممة سائدة باللاوعي المجتمعي... لتمنع لاحقاً كل مظاهر المدنية بمعناها الظاهري على الأقل... لتصيب توازن المجتمع القائم بنواته الصغيرة وصولاً إلى نواته الأكبر... وللحساب في البعد الثاني كلفة باهظة، لأنها يمكن أن تجرد بذلك سورية من مدنيتها التي تفخر بها ويتمثلها الآخرون وتوصلها إلى مدنية مشوهة... مداركها ناقصة... كما غيرها...
الآن...