من المتوقع أن تتصدر أفغانستان أجندة اللقاء المرتقب بين "جاب شيفر"، الأمين العام لحلف "الناتو"، والرئيس الأميركي جورج بوش، في مزرعة بوش بولاية تكساس في العشرين والحادي والعشرين من مايو الجاري. كما يتوقع أن تكون الرسالة التي سينقلها "شيفر" إلى مضيفه بوش، قاتمة وباعثة على القلق لكونها تتلخص في أن حلف "الناتو" بدأ يخسر الحرب أمام حركة "طالبان".

وهذا ما يستوجب إعادة النظر الفورية والجوهرية في مجمل السياسات المتبعة في أفغانستان. ولعل التطور الأكثر أهمية الذي طرأ على الساحة الأفغانية، هو تزايد رغبة المواطنين الأفغان أنفسهم في رحيل كافة القوات الأجنبية من أراضي بلادهم، بما فيها القوات الأميركية. والسبب وراء هذا الشعور هو تبرم الأفغان من الحرب وتصاعد أعداد القتلى من المدنيين جراءها. وكما اعترف الرئيس حامد كرزاي نفسه، خلال مؤتمر صحفي عقده في وقت مبكر من الشهر الحالي: "فقد أضحى من الصعب جداً علينا تحمل الزيادة الملحوظة في عدد القتلى المدنيين، على رغم مضي خمس سنوات على الغزو الأميركي لبلادنا".

وفي 8 مايو الجاري، صادق مجلس الشيوخ في كابول على مشروع قانون يقضي بالتفاوض الرسمي مع حركة "طالبان"، ويتضمن وقفاً لإطلاق النار، وتحديد جدول زمني لبدء انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. ونص مشروع القانون المذكور على امتناع القوات الأجنبية عن الاشتباك المسلح مع حركة "طالبان"، ما لم تتعرض هذه القوات لهجمات تستهدفها من الحركة، شريطة ألا تحدث أي مواجهات مسلحة بمبادرة من القوات الأجنبية هذه، قبل استشارة الحكومة والجيش والشرطة الأفغانية.

وتعكس مسودة القانون هذه، تنامياً شعبياً واسع النطاق لموجة الاحتجاج على غلظة عصا وتكتيكات القوات الأميركية المتبعة حالياً في أفغانستان، بما في ذلك عمليات القصف الجوي التي جرَّت مصرع المدنيين والكثير من الدمار في أنحاء واسعة من أفغانستان. هذا ومن المتوقع أن تُجاز هذه المسودة من قبل مجلس النواب ثم الرئيس حامد كرزاي، قبل أن تصبح قانوناً نافذاً. وفي تحرك مماثل في العراق، صوّت 144 نائباً من نواب البرلمان، من جملة 275 عضواً، على قرار يدعو إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من البلاد. ويجري العمل حالياً على القرار هذا، بغية تحويله إلى مشروع قانون من قبل لجان الشؤون الخارجية والقانونية التابعة للبرلمان العراقي.

يذكر أن "شيفر" كان قد أعلن عقب محادثات أجراها الأسبوع الماضي مع الحكومة الباكستانية، أنه ليس في وسع القوة العسكرية وحدها إلحاق الهزيمة الحاسمة بحركة "طالبان"، وأن تعمير أفغانستان يعد مفتاحاً رئيسياً لإقرار الأمن والسلام الدائمين هناك، خاصة عند الأخذ في الاعتبار بموجة الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة التي عصفت بأفغانستان خلال ما يزيد على الخمسة والعشرين عاماً الماضية. غير أن المشكلة، سواء تعلق الأمر بأفغانستان أم بالعراق، هي أنه وبدون استتباب الأمن، تتعذر في الواقع عملية إعادة البناء والتعمير. ومن هنا ينشأ السؤال في كلتا الدولتين، حول ما إذا كانت العمليات المسلحة التي تنفذها القوات الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية الأخرى، ضد التمرد المناوئ للوجود الأميركي، تسهم في استتباب الأمن ومحاولات الحد من موجة العنف، أم أنها تشكل بحد ذاتها، حافزاً للنزاع وحائلاً أمام استتباب الأمن؟

يشار إلى أن حركة "طالبان" قد أفرجت في نهاية عطلة الأسبوع الماضي، عن الرهينة الفرنسي، "إريك دامفريفيل"، الذي استمر احتجازها له لما يزيد على الشهر. وبدا "دامفريفيل"، مُجهداً ومتعباً جراء قسوة الظروف التي عاش فيها خلال مدة احتجازه، على رغم تصريحه بأنه قد أحسنت معاملته من قبل مختطفيه.

بقي أن نقول أخيراً إنه كان يعمل لصالح إحدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في تقديم العون الإنساني للأطفال بجنوب غربي أفغانستان، وتدعى منظمة "أرض الطفولة". ولم تتكشف بعد أية تفاصيل عن الصفقة المحتملة التي ربما تكون فرنسا قد عقدتها مع حركة "طالبان"، مقابل إطلاق سراح رهينتها. غير أن ناطقاً رسمياً باسم الحركة، أعلن أن إطلاق سراح "دامفريفيل"، قد جاء تعبيراً من حركته عن رغبتها في إبداء بادرة إيجابية تجاه رئيس فرنسا المنتخب، نيكولا ساركوزي. ولعل التفسير الأكثر قرباً للحقيقة، هو الإعلان الصادر عن ساركوزي خلال حملته الانتخابية، بأنه لا يرى سبباً لاستمرار بقاء القوات الفرنسية في أفغانستان.

على أن موقف الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، يظل مهزوزاً ومزعزعاً على نحو ما هو عليه موقف نظيره رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. هذا وقد هتفت جموع المحتشدين والمتظاهرين في مدينة جلال أباد بشرقي أفغانستان ضد حامد كرزاي وكذلك ضد جورج بوش، بينما انتظمت المظاهرات المناوئة لأميركا في شوارع العاصمة كابول، في ردة فعل فيما يبدو على تزايد عدد القتلى المدنيين الذين حصدت أرواحهم الطلعات الجوية التي نفذتها القوات الأميركية مؤخراً هناك. ففي منطقة "شينداد" الواقعة على بُعد نحو 100 كيلومتر جنوبي مدينة هيرات، صرح التحالف الدولي الذي تقوده القوات الأميركية، أنه قتل 136 من مقاتلي حركة "طالبان"، نهاية شهر أبريل الماضي. غير أن أهالي القرية قالوا إن عدد القتلى كان 51 من بينهم 18 امرأة وطفلاً.

ومن جانبها توصلت تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة إلى أنه تم تشريد 1600 عائلة من العائلات الأفغانية من قراها وديارها. وفوق ذلك كله، فقد أسفرت ضربات جوية نفذت الأسبوع الماضي في قرية "سروان كالا" عن تدمير عدد من المنازل، بينما ذكر الأهالي أن ضحاياها من المدنيين قد تراوح عددهم بين 50-80 قتيلاً، لاسيما بين الأطفال والنساء. وذكر أحد أصحاب المتاجر في القرية، أن عمليات الحفر والبحث عن جثث القتلى بين الأنقاض، لا تزال جارية حتى الآن.

والذي يبدو واضحاً من كل ما يتواتر من تقارير وأخبار، أن نطاق النزاع يتسع باطراد في أفغانستان، وأن مناوشات ومواجهات عسكرية تجري في أنحاء كثيرة ومتفرقة هناك، وأنها لم تعد تقتصر على المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية المشتركة مع باكستان، خاصة في محافظة "هلمند" حيث يتمترس ويتحصن عناصر "طالبان"، وحيث لا تزال المعارك الضارية الشرسة تدور هناك. وليس أدل على ذلك من التقرير الذي نشره في الرابع من مايو الجاري، مراسل صحيفة "فاينانشيال تايمز" في العاصمة كابول، عن تمكن مقاتلي "طالبان" من السيطرة على طريق مرور سريع، يقع على بعد 70 كيلومتراً فحسب من كابول في شهر أبريل الماضي.

وأورد التقرير أن "طالبان" تمكنت من السيطرة على الطريق المذكور لمدة 24 ساعة كاملة، قبل اندحارها أخيراً أمام القوات الحكومية. ووصف التقرير تلك المواجهة، بأنها كانت أشرس معركة تشهدها المنطقة منذ عام 2001. فماذا بوسع السيد شيفر أن يفعل مع الرئيس بوش إزاء كل هذه التطورات والآفاق القاتمة؟

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)