بدأ امس اعضاء في مجلس الامن بمشاورات تتعلق بإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمقاضاة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري والجرائم الاخرى المرتبطة به، وتوقع المندوب الاميركي رئيس المجلس لهذا الشهر زلماي خليل زاد تقديم مشروع قرار في هذا الشأن هذا الاسبوع. في موازاة ذلك، شنّت المعارضة اللبنانية وحلفاء سورية هجوماً عنيفاً على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والأكثرية بسبب الرسالة التي بعث بها أول من أمس الى الأمم المتحدة مطالبا باتخاذ قرار ملزم في مجلس الأمن بقيام المحكمة.

وارتفع منسوب الاستقطاب السياسي الحاد بين فريقي الأزمة اللبنانية في ظل بدء مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد ولش، زيارة تستمر حتى غد، للقاء قيادات الأكثرية والبطريرك الماروني نصر الله صفير ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة (اليوم). وأكد المسؤول الأميركي ان إقرار المحكمة تحت الفصل السابع لن يشكل خطراً على لبنان، وشدد على إجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية في موعدها. وواكب تحركه لقاءات للسفير الإيراني في بيروت محمد رضا شيباني الذي استمع من زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الى مخاوفه من تقويض الاستقرار من جانب سورية في لبنان.

وفيما كان الهجوم الأعنف من نواب «حزب الله» على تحويل المحكمة الى مجلس الأمن، ردت قوى الأكثرية بالدفاع عن الحكومة ورئيسها وباتهام المعارضة بعرقلة قيام المحكمة، واعتبر مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ان رسالة السنيورة هي الطريق الوحيد لإقرار المحكمة. وشهد المجلس النيابي في الثلثاء التاسع الذي ينزل فيه نواب الأكثرية الى البرلمان لمطالبة رئيسه بدعوته الى الاجتماع، سجالاً حاداً بين هؤلاء وبين نواب المعارضة وخصوصاً «حزب الله» الذين ركزوا على اعتبار أن إقرار المحكمة في مجلس الأمن سيفقدها قيمتها القانونية.

وبعث رئيس الجمهورية اميل لحود أمس برسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعرب فيها له عن أسفه للجوء السنيورة الى «توسل المخالفات والتمويه على الحقائق لزج مجلس الأمن في ما يخرج عن أهدافه»، وأكد حرصه «على إنشاء المحكمة بالوسائل الدستورية المعتمدة في لبنان منزّهة من أي غاية سياسية من دون أي انحراف يفاقم التشرذم».

وتسببت رسالة لحود برد عنيف من المكتب الإعلامي للنائب الحريري مساء، وصف لحود بأنه «ياوران (الرئيس السوري) بشار (الأسد) في بعبدا». وقال انه «يبصم على البيان المختوم الذي أرسله نظام الأسد بالوسيط المعلوم إليه في محاولة يائسة جديدة لإعاقة إنشاء المحكمة». وانتهى المكتب الإعلامي للحريري الى القول: «عارِض المحكمة الدولية وحاوِل إعاقة الحقيقة وعرقلة العدالة ما شئت فقد كاد الرئيس يقول خذوني...».

وكان ولش بدأ لقاءاته أمس باجتماع مع البطريرك صفير قال بعده إنه حادثه عن حرية لبنان وديموقراطيته. واضاف انه أكد لصفير إن «التزام الولايات المتحدة الأميركية تجاه لبنان لا يزال راسخاً ودائماً وغير قابل للتفاوض، وحكومتي ستواصل دعمها والوقوف بجانب الشعب اللبناني في الوقت الذي يكمل فيه التحول التاريخي نحو الديموقراطية الكاملة. وأشرت الى ان الولايات المتحدة واثقة بأن لبنان سيزدهر كدولة موحدة ومستقلة». وأضاف: «سنواصل العمل مع أصدقاء لبنان في المجتمع الدولي لمساعدته في تحقيق إمكاناته ليصبح، مرة أخرى، أنموذجاً للمنطقة والعالم من حيث ديناميكية وتنوع مواطنين يعيشون في وئام».

وأوضح انه أطلع البطريرك على أن الولايات المتحدة «تؤمن بأن لدى الشعب اللبناني فرصة فريدة في هذا الوقت لتقرير مستقبله بأيديه، بانتخاب رئيس جديد في الوقت المحدد وفقاً للدستور، ومن دون تدخل خارجي... وللحكومة الجديدة والحكومة الموجودة حالياً نؤكد أن الولايات المتحدة تقف بجانبهما لكي لا يتم تقييدهما. يجب أن تكون هناك حكومة واحدة، وهناك حكومة واحدة في هذا البلد».

وفي موضوع المحكمة الدولية اكد ولش ولادة هذه المحكمة، معتبراً ان إقرارها تحت الفصل السابع «لن يشكل خطراً على لبنان لأنه تطبيق للعدالة والقانون من اجل محاكمة المجرمين». وحول ما اذا كان سيلتقي لحود، قال ولش: «لا أظن ذلك».

ودامت خلوة ولش مع صفير 40 دقيقة، التقى بعدها في مقر السفارة الأميركية في عوكر وفداً من القيادات المسيحية في قوى 14 آذار. ثم انتقل ولش للاجتماع مع النائب الحريري. وعلمت «الحياة» ان الحريري ابلغ ولش ان «ليس لدينا مرشح لرئاسة الجمهورية بل نحتاج الى مرشح لديه برنامج سياسي، لأن البلاد لا تحتمل رئيساً كما اميل لحود». وأوضح الحريري بعد اللقاء، ان البحث تركز على موضوع المحكمة الدولية وتطبيق القرار 1701 وضرورة السير في مبادرة السلام العربية. اما ولش فأكد ان اغتيال الحريري قبل عامين «اشعل انتفاضة شعبية طالبت بالسيادة والاستقلال والطريق الى الأمام لم تكن من دون تضحيات... والولايات المتحدة لن تسمح بأن تصبح سيادة لبنان ورقة مساومة».

وليلاً التقى المسؤول الاميركي رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. وسيلتقي اليوم الرئيس السابق أمين الجميل وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون.

وتزامن تصاعد الاستقطاب السياسي فو لبنان، وزيارة ولش، مع زيارة قام بها السفير الإيراني شيباني الى الرئيس بري الذي سيلتقي المسؤول الأميركي اليوم. وجاء لقاء شيباني مع الحريري قبل زهاء ساعة من استقبال الأخير المسؤول الأميركي.

وفي وقت لم يدل شيباني بأي تصريح بعد اللقاءين ووسط تكتم على ما دار فيهما، علمت «الحياة» ان البحث مع الحريري على مدى ساعة ونصف الساعة تناول الأمور كافة المطروحة على الساحة اللبنانية، وأن الحريري تحدث معه بصراحة وأكد له «اننا في الأكثرية مع المساعي الإيرانية – السعودية التي كانت انطلقت قبل اشهر ليس فقط من اجل التهدئة بل ايضاً من اجل التوصل الى مخرج للأزمة في لبنان». وأفادت المعلومات ان الحريري لفت شيباني الى «اننا نعرف أنكم اصطدمتم بالجانب السوري في مساعيكم والآن نحن نود لفت نظركم الى ان هناك حملة على المحكمة ذات الطابع الدولي ومن «حزب الله». فإذا كان جميع الفرقاء حريصين على جلاء الحقيقة فعليهم الانسجام مع ما يقولونه في موقفهم من المحكمة. ونحن لم نذهب الى مجلس الأمن لو لم نجد الطريق مسدوداً هنا وفي المؤسسات الدستورية بسبب موقف المعارضة وبسبب التأخير والمماطلة في إقرارها في البرلمان».

ودعا الحريري شيباني الى ان يتخذ «حزب الله» موقفاً يسهل إقرار المحكمة ولا نعتقد ان من مصلحة احد ان يعرقل».

وأبلغ الحريري السفير الإيراني ان الأكثرية «يهمها ان يحصل انتقال سلمي وهادئ للسلطة بانتهاء ولاية الرئيس لحود في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لكن المعطيات الموجودة لدينا تفيد ان الجانب السوري ينوي إحداث فراغ في السلطة ويريد اخذ البلد الى حال من الفوضى مع ما يعنيه ذلك من تقويض للاستقرار، ويجب التنبه الى مخاطر هذا التوجه لدى المسؤولين السوريين».

وفي نيويورك، بدأت امس مشاورات لاعداد مشروع قرار يهدف الى انشاء المحكمة الدولية. وقال السفير الاميركي في تصريح: «سنبدأ المشاورات ونعتقد بانه سيكون لدينا مشروع قرار ربما قبل نهاية الاسبوع». واضاف «من المهم مساعدة اللبنانيين في انشاء هذه المحكمة»، مؤكدا «اننا نتحرك بناء على طلب الحكومة الشرعية في لبنان»، في اشارة الى رسالة السنيورة الى الامين العام. كما اكد: «لا يمكننا التخلي عن اللبنانيين، من واجبنا ان نمضي قدما... من اجل العدالة واستقرار لبنان على المدى البعيد».

وافادت مصادر ديبلوماسية ان مشروع القرار ستقوم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بصوغه. ويظل اقراره رهنا بموقف روسيا التي اعلن ناطق باسم بعثتها أنه يتم في هذه المرحلة «درس الملف بكل تفاصيله حتى تتمكن روسيا من تحديد موقفها. إلا أن روسيا لا تزال متمسكة بضرورة اجماع كل الفرقاء اللبنانيين على أي قرار سيتخذ بالنسبة الى لبنان».

أما بالنسبة للموقف الفرنسي، فقد أكد ناطق البعثة الفرنسية ان «رسالة رئيس الحكومة (اللبنانية) فتحت المجال لمرحلة جديدة في ما يخص المحكمة الدولية»، معتبرا أن لا فرق بين البند السابع أو «القرار الملزم»، كما ان النتيجة واحدة وهي الزامية تطبيق المحكمة الدولية مع «مراعاة وضع لبنان الداخلي».

على صعيد آخر، وفي لقائها اليومي مع الصحافيين أكدت ميشال مونتاس الناطقة باسم الامين العام ان بان كي - مون لن يزور لبنان، لكنه سيعلن «قريبا جداً» رأيه في موضوع المحكمة الدولية.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)