" كلمة العراق هي الترجمة العربية لكلمة فيتنام" , هذا ما نقرؤه على التيشيرتات واللافتات في المظاهرات المناهضة للحرب في الولايات المتحدة . " العراق هي فيتنام جورج بوش", وهذا ما يردده السيناتور الديموقراطي ادوارد كينيدي. بفاصل زمني يمتد ثلاثين عاماً لا ينفك العراق وفيتنام يثيران الضجة. في الوقت الذي يجابه فيه رئيس الكونغرس الديموقراطي استراتيجية الانسحاب , هل ينير الصراع في فيتنام الطريقة التي يمكن أن تنتهي فيها الورطة الأمريكية في العراق؟

على أرض الواقع , لا يوجد أي تشابه بين الصراعين. ولكن مبررات الحرب واحدة في الحالتين , تحقيق أمن الولايات المتحدة بدمقرطة بلد يعتبر بنظرهم مركزاً لتهديد أيديولوجي أكبر , في الأمس كان الشيوعية واليوم هو الإسلام الراديكالي. ومن الناحية العسكرية, يعتبر التورط الأمريكي في العراق مختصراً أكثر. لقد كان لدى الولايات المتحدة 580 ألف جندي في فيتنام مقابل 156 ألف جندي اليوم في فيتنام. كانوا يقصفون الأعداء. فرق آخر أساسي : الجندية الإلزامية. كان الجنود سابقاً من الشباب الذين يؤدون خدمتهم العسكرية, أما اليوم فهم متطوعون. وأخيراً, فإن عدد الضحايا, فيه مجال للمقارنة. 85 ألف قتيل في فيتنام, في عشر أعوام, مقابل 3300 في العراق في أربع أعوام.

ولكن في واشنطن, يعيد التاريخ نفسه. اليوم, كالأمس, الكونغرس هو مكان حل الصراع, وللأسف بإيقاع متسارع, " لأن العراق يجري في ظل فيتنام" , كما يشرح أستاذ التاريخ روبيرت دالليك, في الواشنطن بوست. الرجال نفسهم . هنري كيسينجر, رجل الاتفاقات في باريس 1973, هو اليوم مستشار البيت الأبيض. باستثناء, وتحديداً, السيد بوش ونائبه ديك تشيني, اللذين بقيا في الخلف, فإن عدداً من البروتاغونيين مسكونين بتجربتهم الفييتنامية. من جون ماككين, السجين السابق لمدة خمس سنوات في هانوي, إلى جون وارنر, الذي كان سكرتيراً في البحرية , أو جون مورثا, جندي سابق منتخب في البرلمان أيام نيكسون 1974, ينظر البرلمانيون إلى العراق في ضوء تجربتهم التي تعود لثلاثين عاماً. وكلهم لا يستخلصون نفس العبر من التاريخ. جون ماككين وتشاك هاغيل سيناتوران جمهوريان. الأول يدعم إرسال القوات ويظن أن أمريكا كان من الممكن أن تربح حرب فييتنام لو أن الكونغرس كان لديه بعض الصبر. أما الثاني, الذي تلقّى مرتين وسام الجرحى الكبير, يعتبر أن العراق هي غلطة السياسة الخارجية الأكبر منذ الحرب الفييتنامية.

كانت الحرب الفييتنامية أطول الحروب في التاريخ الأمريكي. ولقد ابتدأت بفصل يقارنه الكثيرون بقضية أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين : الهجوم على مدمّرة صغيرة أمريكية في خليج تونكين. وهذه استخدمت كعذر أمام الكونغرس من قبل الرئيس ليندون جونسون, في آب 1964, لإطلاق يده في إرسال قوات مقاتلة. وبعد ذلك, اكتشف أن هجوماً آخر , استخدم كذريعة, لم يحدث مطلقاً. وحسب روبيرت بريغهام, صاحب كتاب " العراق, هل هو فييتنام جديدة؟", أنتج نفس السيناريو في تشرين الأول 2002, للسماح لبوش باستخدام القوة ضد العراق. لقد صوت الكونغرس مع, ثم بدأ الدعم يتآكل, وندم معظم البرلمانيين على تصويتهم.

في الحقبة الفييتنامية, أخذ الرأي العام وقتاً طويلاً قبل أن ينقلب على الحرب, لوقت طويل, أصغى إلى دعوات الصبر, والخطابات حول " الإشارات المشجّعة" التي كانت تصل من أرض المعركة.في تشرين الثاني 1967 أعلن الجنرال ويليام ويستموركلان :" إننا نحرز تقدّماً حقيقياً", وبالمقاربة نسمع لهجة السيد بوش أو كونداليزا رايس يشعران ب " إشارات مشجّعة" في بغداد منذ إرسال القوات في كانون الثاني. لقد أسف السيد وارنر غلى عدم اتخاذه موقفاً واضحاً عندما كان في إدارة نيكسون.

وحتى تخسر الحرب 20 نقطة من دعم الرأي العام كان يكفي حدثاًُ واحداً : الهجوم على تيت. في ليلة من ليالي كانون الثاني 1968, هاجمت قوات العصيان التابعة للشمال ستين عاصمة ريفية في نفس الوقت. ووجد الأمريكان أنفسهم يخطئون في تقدير الموقف. لقد فقد الفييتناميون الشماليون الكثير من قواتهم لكن نصرهم كان مؤزراً. وصاح والتر كرونكايت في أخباره المتلفزة :" ما الذي يحدث ؟ لقد ظننت أننا في طريقنا إلى الانتصار!"

أزمة ضمير

في حالة العراق, كان الانحسار في دعم الحرب ثابتاً لكنه تدريجي. الانتصار الديموقراطي في انتخابات تشرين الثاني, وما تبعه من تقرير بيكر- هاميلتون الذي أشار إلى وضع " خطير", أسرع في وتيرة أزمة الضمير. ومع أن الديموقراطيون لم يروّجوا في حملتهم الانتخابية للانسحاب, وإنما فقط ل" تغيير في الاستراتيجية", فلقد وجدوا أنفسهم وسط رأي عام يطالب في ثلثيه, بعودة القوات قبل عام 2008.

لم يفرض الكونغرس في تاريخه قرار إنهاء حرب مباشر. إنما تتلخص مهمة البرلمانيين في منع الرئيس من قيادة حرب لا عوائق أمامها. إن تفاهم تشيرش_ كوبر لعام 1970 الذي يحرّم الدخول بالقوة إلى كمبوتشيا كان أول محاولة لتحديد القدرات التنفيذية في موضوع السياسة الأجنبية. ولقد تطلّب الأمر تسع أعوام بين أول نقد مكتوب من لجنة السياسة الخارجية في الكونغرس _ والتي أحدثت صدى على التليفيزيون لدرجة أن البيت الأبيض بدأ يضغط على القنوات_ وبين رحيل آخر الأمريكيين عام 1975.

الكونغرس الحالي ليس في هذا الموقف. ولقد لخّص دافيد سيروتا, الناشط في سبيل دفع الحزب الديموقراطي لمعارضة السيد بوش ذلك بقوله:" الأغلبية الأمريكية تعارض الحرب, والديموقراطيون هم أغلبية المجلس, ولكن أغلبية الكونغرس ليست ضد الحرب حتى الآن." بالمختصر, لم يمنع الديموقراطيون قرار السماح بالحرب عام 2002. ولم يمنعوا حتى التدخل أو غزو إيران.

الخوف من ظروف الانسحاب هو اليوم كالأمس, العامل الرئيسي في الشلل الحاصل. " قوى الفوضى" سوف تسيطر على المنطقة ( جونسون 1967) . " اقتتال لا يمكن تخيله " ( السيد بوش 2007). يتنبأ الجمهوريون في العراق بكارثة أكثر حضوراً من فييتنام. " سوف تستمر أعمال القاعدة ضدنا", يصرح النائب جون إنساين. " سيلحق بنا الإرهابيون إلى هنا ", يؤكد جورج بوش. وبحسب المؤرخين كان جونسون يخشى أن يصبح أول رئيس أمريكي يخسر حرباً. ونعزّي جورج بوشبقولنا بأنه إذا خسر هذه الحرب فإنه لن يكون أول رئيس أمريكي يفعلها.