لأول مرة تعرفت على "المخطط الاستراتيجي" الذي كان يدور بأذهان الخلفاء الراشدين، فرغم أنني قرأت "فتوحات الواقدي"، وتاريخ الطبري.. لكن المنهاج الدراسي لمادة التاريخ هو الذي زاد معرفتي، وربما جعلني أقلب صفحة الجهل، واكتشف أننا بالفعل لسنا صناع حضارة فقط، بل أيضا مبتدعو نظريات اقتصادية واستراتيجية.

في كتاب التاريخ للصف السادس لمدارسنا فإن الفتوح على ما يبدو هي "حروب تحرير"، خاضها الخلفاء لإنهاء "الاستعمار" البيزنطي، بل أكثر من ذلك فهي كانت منذ عهد "أبي بكر" من أجل "التكامل الاقتصادي" للدول العربية!!! وبهذه الصورة فإن كافة النظريات الاقتصادية على ما يبدو ابتدعها الخلفاء الراشدين، حيث تنبهوا للترابط الذي يجمع الدول العربية من ناحية "دورة الإنتاج".

ربما علينا أن نطرح سؤالا واحدا هنا يرتبط بالأجيال: فماذا تركنا لها من "العقل العلمي" أو الرؤية الموضوعية التي يجب أن تتسلح بها للمستقبل؟! بالطبع لا يهمني إذا أراد واضع المنهج المدرسي إبداء رؤيته في أي صحيفة يومية، لكنه هنا لا يدخل بافتراضات بل بخيال لا يختلف كثيرا عن أي خطيب تراثي يريد اقناعنا بأننا لا نحتاج للحداثة والمعاصرة... وربما لا حاجة لـ"اقتصاد السوق الاجتماعي" طالما أننا نملك أربعة خلفاء راشدين لم يسيروا على "الاقتصاد الرعوي" وتحصيل الجزية، بل على منهج "التكامل الاقتصادي"...

هل علينا ان نسأل بعد هذا المنهاج ماذا تبقى من العلوم الرياضية والفيزياء وغيرها... وهل علينا أن نكتشف عدم الحاجة للبدء "بالفكر التجريبي" طالما أنه الإلهام ظهر منذ الخلافة الراشدية واستمر حتى عهد السلطان عبد الحميد!!!
والقضية هنا لا تتعلق بتأويل التاريخ بل الاستخفاف بعقول الأجيال التي نريد أن نراها في المستقبل تتجاوز الحداثة لما بعدها، وتستطيع أن تفهم أن العلم هو للجميع ولم تبتدعه حضارة واحدة، وأن الإيديلوجيا لم توجد لتشوه العقل فهي نتاج الحداثة أولا وأخيرا...

اعتذر من ابنتي التي اضطرت لدراسة مثل هذه المناهج.. واعتذر من كل الأجيال التي تتعلم اليوم أن "حروب التحرير" ابتدعها أجدادها وهم يقومون برسالة سامية تهدف لنشر ثقافة، لكن على ما يبدو ان "المعرفة" الحديثة تقدم لنا كشوفات جديدة في التاريخ وغيره.