لم تكن عودة إلى زمن "عصر النهضة" وأسئلته المفتوحة، لأن موضوع العلمانية لم يشكل خلال ندوة "العلمانية في المشرق" أسئلة خلافية فقط، بل أيضا مكاشفة ضرورية لمعرفة موقعها دخل ثقافتنا على الأقل، وربما اكتشفنا أن هذه الكلمة ماتزال تحمل نفس الحيوية التي حملتها منذ ظهورها للمرة الأولى في أدبيات عصر النهضة.

في ندوة "العلمانية في المشرق العربي" ظهرت جملة مؤشرات على أن الحياة الثقافية السورية تحمل أسئلة جديدة رغم أنها ماتزال تحوم حول نفس المشكلات القديمة، وربما من المهم تسجيل أربع نقاط أساسية برزت بوضوح خلال الندوة:

  الأولى أن الجمهور العلماني على عكس ما هو متوقع يمتلك تنوعا حتى في رؤيته لهذه المسألة، فهذا المفهوم لم يسقط بالتقادم نتيجة انحسار مفاهيم الحداثة، إنما مازال يشكل هاجسا عند طيف واسع من النخب ومن مختلف التيارات.
  ثانيا لا تشكل مسألة التقارب أو التباعد ما بين الجمهور العلماني و "الديني" إن صح التعبير جوهر المشكلة، فالواضح ومن خلال الندوة أن إغناء هذا المفهوم يمكنه خلق وعي متبادل ما بين انصار العلمانية أو مناهضيها.

  ثالثا اتخذت العلمانية خلال الندوة شكلا متحركا عبر ارتباطها بباقي المفاهيم مثل الديمقراطية أو المواطنة او الدولة، وأخذت مجالها الخاص داخل مجمل "التفكير الثقافي" الذي عبر عنه المداخلون على المحاضرات.

  رابعا أوضحت الندوة طبيعة الفجوة ما بين الخطاب السياسي وطبيعة المفاهيم الثقافية التي يمكن ان يستند إليها، وهذا ما ظهر واضحا في اختلاف الفهم لطبيعة بعض المحاضرات، وعلى الأخص محاضرة الدكتور عزيز العظمة، وذلك تبعا للتيارات الفكرية التي حضرت الندوة.

عمليا فإن عودة هذا المصطلح إلى مجال البحث والتفكير يمكن ان يعيد تشكيل الكثير من الروابط الثقافية التي يتم تغييبها اليوم، وذلك من خلال الخياررات السياسية التي يتم طرحها بقسوة أحيانا وبقوة أحيانا أخرى، رغم ان مسألة العلمانية مجال صراع اليوم سواء في تركيا أو في العراق أو من خلال الخطاب "التبشيري للولايات المتحدة. فهذا الموضوع لا يملك حساسية فقط بل نوعا من الراهنية مع كافة تفاصيل الحياة. فحتى لو كان غائبا من الثقافة العامة لكنه يبدو كـ"ظلال" للحدث السياسي" أو ربما تعبير عن "الحلقة" المفقودة في كافة الطروحات التي نتعامل معها سواء في الشأن السياسي أو الاجتماعي.