لن أعتذر عن أي اقتباس استخدمه اليوم لأن حركة الفكر في النهاية جعلتني أدخل مجالا من التكامل أو ربما التآلف مع كل ما يمكن ان يقال عن "الدين" أو "العلمانية"، فإذا كنت أبحث عن كلمات سريعة فإنني لا أجد سوى "المكاشفة" التي استخدمها الدكتور محمد حبش في مداخلته في ندوة "العلمانية في المشرق العربي".

طبعا لم أندهش مما قاله الدكتور حبش، رغم أنه سجل دهشته من محاضرة الدكتور عزيز العظمة، فالمسألة هنا تشكل المجال الثقافي الذي نحلم به، فنحاول ان نضع أنفسنا أمام "الحوار" الذي يجعل "الدين من منظور مختلف" ليس لأننا في "الشام الشريف" حسب تعبير حبش بل أيضا لأننا نحتاج إلى قراءة كل شيء من جديد.

نجحت الندوة في المكاشفة، وبالطبع فإنني لا أبحث في هذا النجاح عن "المزاوجة" بين المفهومين، أو الدخول في الوسطية، لكنني على الأقل أعرف اليوم أن "النسيج الثقافي" المتنوع قادر على جعلي قريبة جدا من هذا التمازج في الخطاب ما بين جودت سعيد ومحمد حبش وجورج طرابيشي وعزيز العظمة، فالتمايز لم يخلق تصدعا بل مجال تفكير جديد.

ما أفهمه من أي حوار مستقبلي يمكن أن يظهر في "العلمانية" أو "الحداثة" أو "الدين" أننا بالفعل قادرون على الانتقال لمساحة معرفية جديدة، يمكن منها البناء من جديد لكل المفاهيم التي صارعنا من أجلها. فالحدود التي ظهرت في القرن الماضي لم تعد كافية لقرن جديد يضعنا امام خيارين حديين في التعامل مع الحياة، فنحن قادرون على ابتداع خيار ثالث، أو ربما ثاني لأن التمايز ما بين الخطابين السائدين اليوم معدوم، وكليهما يضعني في دائرة حرجة.

"الدين من منظور آخر" لأنه يصبح ضمن النسيج الذي يكوننا وليس سلطة مطلقة لا يمكن الحوار معها، او هذا على الأقل ما استطعت التوصل إليه من خلال اللقاءات التي وضعت الجميع في مجال ثقافي مفتوح على كل الاحتمالات، وأنا اخترت "المنظور الآخر" الذي يشكل بالنسبة إلى القدرة على الاستمرار وسط التمازج في الأفكار ومحاولة البحث في الخطاب بشكل تفكيكي.

الندوة تحتاج لاستكمال... وتحتاج لأبعاد جديدة نضيفها على الحوار الذي ظهر كمكاشفة لكنه في النهاية يحمل كل ملامح البحث عن العلمانية من جديد، أو إعادة اكتشافها كي نستطيع البدء في بناء النظرة، او النظرات، نحو المستقبل.