افتتاحية لوموند 17-5-2007

هل قرّر الفلسطينيون تصفية أنفسهم بأنفسهم؟ إن عودة الاقتتال الأهلي في غزّة, واشتداده كل يوم, حاملاً معه فواتير يزداد ثقلها, يضعف مرة أخرى الموقف الفلسطيني, الذي اغتيل وسبح في الدم. في صراعهما نحو السلطة, ألقت الحركتان الفلسطينيتان الرئيسيتان نفسيهما في اقتتال جسدي تعرفان مسبقاً أن إحداهما لن تخرج منه منتصرة. من المشكوك فيه أن تتمكن فتح من سحق خصمها.ومن غير المحتمل بنفس الوقت أن يتمكن الإسلاميون من حذف الوطنيين, حتى في الضفة الغربية. كان من الممكن الاكتفاء بالرثاء لهذه العدمية لو أن هذه القضية لم تكن فلسطينية صرفة. بل أبعد من ذلك, حتى ولو كانت المسؤوليات الفلسطينية كبيرة.

لا عجب أن تتركّز المصائب في غزّة. فمنذ سنين ألقيت التحذيرات, وخصوصاً من قبل البنك العالمي, الذي أصدر التقرير تلو التقرير, عن مخزن البارود الذي يمثلّه هذا الشريط الأرضي المثقل بالسكان والمخنوق كليّاً. وتخيلات الانسحاب الأحادي الإسرائيلي التي كان من المفترض أن تعزّز موقف آرييل شارون, تبخّرت اليوم.

محاصرة ومعزولة ومدفوعة إلى الفقر, تحولت غزة إلى محرّك لإنتاج التطرف والجنون. وأضيف إلى ذلك الديبلوماسية العالمية التي, في الأشهر الأخيرة, كسرت بآليتها ما صنعته بأيديها, وهي السلطة الفلسطينية, منذ اللحظة التي وقع جزء من توجيهاتها_ الحكومة والمجلس التشريعي_ تحت سيطرة حماس في أكثر الانتخابات ديموقراطية التي يمكن أن يحلم بها الأمريكيون في الشرق الأوسط.

ولقد خطا الإسلاميون بضغط سعودي خطوة أولى , بعد أن قوطعوا وسيطروا على مواقع لا تتلاءم مع اتفاق السلام. فاتفاق مكّة, الذي أسفر عن حكومة وحدة مع فتح, ثم إعادة إطلاق المبادرة العربية_ التي تربط بين التطبيع مع إسرائيل وخلق دولة فلسطينية على قاعدة حدود 1967 _ كان من الممكن أن تخرج الموقف من الممر الدموي. ولكن إسرائيل والولايات المتحدة, اللتين تمنتا علناً أن تلغي فتح حماس, قررتا الآن غير ذلك. والأوروبيون كالعادة في وضع تردد.

إن حل المسألة الفلسطينية أكثر إشكالية وأغلى من مجرد هضمه ببساطة, باستيعابه عسكرياً من قبل إسرائيل وبتموينه بكل عبثية من قبل البلاد العربية والأوروبية. ويتضاعف الحساب على أمل أن يختفي هذا الملف من الأولويات الدولية برغم قوة عبئه الرمزية. هذا الحساب وهذا الرهان غبيان بالفعل.