لا توجد الكثير من الحكومات في العالم كالحكومة الفلسطينية ، عشرة من اعضائها يحملون شهادة الدكتوراة من كبريات الجامعات الأميركية ، ثلاثة منهم أطباء ، ثلاثة آخرين مهندسون وبينهم رجل قانون واحد. وبالفعل ، الضغط المصطنع من الغرب لاجراء "اصلاحات وتغييرات" في المناطق نجح في تشكيل حكومة فلسطينية "مثيرة للانطباع" ، ولكن هذه الحكومة مع كل مثقفيها ومتعلميها "المثيرين للانطباع" ، هي حكومة غمز ولمز: فهي تختبىء خلف "عصابات ارهابية" ، تساعد في الابتزاز النفسي للجمهور الاسرائيلي (في قضية شاليت) ، لا تكترث بالتغييرات الاجتماعية ، وحساسة تجاه المبادرات والاصلاحات الامنية ، وهذا بالضبط نموذج للدولة الفاشلة.

في تموز 2004 ، في موعد قريب من يوم "الاستقلال الاسرائيلي" ، اقامت الولايات المتحدة وزارة بناء وترميم الدول الفاشلة ، والمسؤول عن "ترميم" الدول ، كارلوس بسكويل ، شرح في حينه بأن الدول الفاشلة (Failed State) تشكل تهديدا استراتيجيا على العالم ، بما في ذلك على الولايات المتحدة ، التي كانت تبحث عن مصلحتها في ترميم هذه الدول.

خطة "اختبارات التنفيذ" الاخيرة لكونداليزا رايس وكذا الصيغ الحديثة لـ "خريطة الطريق" هي عوارض ليس لمعالجة الدول الفاشلة ، بل عوارض لصحتها ، فالاعلان عن رفع الحواجز وفتح المعابر بشكل منفصل عن الواقع الامني السائد في المناطق اليوم ، هو تعبير كلاسيكي عن سياسة "البطة العرجاء" للادارة الامريكية في ختام عهدها ، وقرارات على هذا النمط ستؤدي الى إضافة فلسطين الى القائمة الطويلة لدى الادارة الامريكية ، التي تشير الى أنه منذ العام 1955 وحتى العام 2000 كانت هناك 114 دولة فاشلة هددت السلام العالمي.

الدولة الفاشلة تُعرف من خلال أربعة اختبارات: مكافحة الحكم المركزي ، عدم استقرار سلطوي ، صراع على خلفية دينية وأعمال ذبح ضد المعارضين او الاقليات ، وقد بالغ الفلسطينيون إذ تحولوا الى دولة فاشلة حتى قبل أن يصبحوا دولة ، ففي قطاع غزة تسيطر نحو أربعين عصابة ، تنفذ كل يوم أعمال خطف ، وتصفية ، وحرق دكاكين وتهديد لوسائل الاعلام الاجنبية ، ومع ذلك فان ما يهم كونداليزا رايس هو الحاجز في قرية إذنا.

غير مرة سمعت في الولايات المتحدة النكتة التي تشرح ما هو وجه الشبه ووجه الخلاف بين اسرائيل وفلسطين. دولتان ، كما تروي النكتة ، قامتا على اساس "الترقيع" والفوضى على مدى السنين ، ولكن الفرق هو أن اليهود نجحوا في ذلك على نحو خاص.

عندما يسأل مثقفون فلسطينيون في الولايات المتحدة كيف يحصل أنه بعد ستين سنة من المواجهة ، تمتلك إسرائيل قمرا صناعيا في الفضاء ، وفي صفوفها جملة من الحاصلين على جائزة نوبل لانجازات علمية مثيرة للانطباع ، وباقتصاد مزدهر حتى في أوقات الحرب ، بينما الانجاز الفلسطيني العلمي والوحيد هو القسام ، فانهم درجوا على الرد: "اعطونا دولة ، ونحن سنفعل ذلك ايضا".

في منتصف التسعينيات تلقى عرفات دولة ودهورها الى مهاوي العنف والفوضى ، وخليفته ابو مازن يصعب عليه انقاذها ، هكذا هو الحال: عندما تقام الدولة... فانها تصبح بشكل عام قصة نجاح ، أما عندما تُعطى الدولة ، فانها تكون صيغة للفشل.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)