هل تحتاج الولايات المتحدة حقاً إلى التدخل مراراً في أنحاء العالم للحفاظ على أمنها؟

إيفان إيلاند، الخبير الأمريكي في شؤون الأمن القومي والقضايا العسكرية، لا يعتقد ذلك. وهو في دراسة بعنوان “الامبراطورية بلا ملابس” يقول: “معظم الأمريكيين لا يؤمنون بأن بلادهم يجب أن تكون امبراطورية”. ومع ذلك، الولايات المتحدة تواصل توسيع سيطرتها على أراضٍ في ما وراء البحار منذ بداية القرن العشرين.

والحال، كما يقول إيلاند، أن سياسة الأمن القومي الأمريكي، خاصة بعد نهاية الحرب الباردة، تسير على طرفي نقيض مع مبادئ كل من الليبراليين والمحافظين الأمريكيين على حد سواء، وهي في الواقع تنسف الأمن والحريات المدنية الأمريكية.

ويستعرض الكاتب تاريخ التدخلات العسكرية الأمريكية في العالم، من الحرب الإسبانية الأمريكية الى غزو واحتلال العراق، مشدداً على حقيقة توسيع الامبراطورية والقواعد العسكرية الأمريكية في ما وراء البحار منذ مطالع القرن العشرين. وهو يجادل بأن المحافظين الأمريكيين يجب أن يكونوا ضد الامبراطورية الأمريكية، لأن حروب ما وراء البحار تضر بالاقتصاد القومي وهي السبب الرئيسي في توسيع الحكومة، حتى في المجال غير الأمني.

وهكذا، فإن “التمدد الإمبريالي الزائد”، (وهذا ما تعانيه الولايات المتحدة الآن)، الذي تسبب في اندثار العديد من الامبراطوريات في التاريخ، قد يتسبب الآن أيضاً ليس فقط في تدمير الامبراطورية الأمريكية بل حتى في نسف وجود أمريكا كقوة عظمى، على نمط ما حدث لبريطانيا العظمى.

الليبراليون أيضاً يجب أن يقفوا ضد الامبراطورية “لأن الحروب الإنسانية” لا تخاض حقاً لأهداف إنسانية، بل خدمة لمصالح الشركات الخاصة الكبرى. وهي تنتهي غالباً بكونها لا إنسانية ولا فعالة.

لا بل يقول إيلاند إن كل الأمريكيين يجب أن يكونوا ضد الامبراطورية، لأنها تقلص الأمن في الداخل عبر تغذية الإرهاب، وتخلق “رئاسة إمبريالية”، وتشوّه قواعد المحاسبة الديمقراطية في النظام الأمريكي التي نص عليها الدستور.

كل الإدارات الأمريكية منذ عهد رونالد ريغان وصولاً حتى إلى بيل كلينتون، حاولت الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على العالم. بيد أن السياسات الأصلية ل “الآباء المؤسسين” الأمريكيين، كانت تدعو دائماً إلى ضبط النفس العسكري. فمن أصل 225 سنة، أمضت أمريكا 175 سنة وهي خارج الحروب الأجنبية الكبرى. ومع احتفاظها بجيش صغير في الداخل وحكومة محدودة، نجحت البلاد في التحول إلى أكبر اقتصاد عالمي وشجعت الحريات فيها على الازدهار. وحتى بُعيد الحرب العالمية الثانية، سارعت الولايات المتحدة إلى تسريح عديدها العسكري الكبير.

وخلال الحرب الباردة فقط تخلت أمريكا عن سياساتها الخارجية التقليدية لصالح استراتيجية احتواء الاتحاد السوفييتي، وبدأت بإقامة تحالفات في طول الكرة الأرضية وعرضها، الأمر الذي دشن بداية الامبراطورية العالمية الأمريكية. هذه التحالفات كان يجب أن تنتهي مع انتهاء الحرب الباردة، لكنها بدل ذلك توسعت وكبرت حتى شملت آسيا الوسطى والفلبين، إضافة الى تعزيز التحالفات غير الرسمية مع “إسرائيل” وتايوان.

ويحبذ إيلاند العودة إلى السياسة الخارجية الأمريكية الأصلية، وهي التركيز على التجارة العالمية والتبادل الثقافي، مع وضع حدود قاسية على التدخلات العسكرية الأمريكية في العالم. وهو يحذر من أن هذه التدخلات لن تسفر إلا عن زيادة وتائر الإرهاب في العالم، ورفع درجة الخوف في الداخل الأمريكي.

هل آمال الكاتب في محلها؟ ...

أجل. ولكن في أضغاث الأحلام فقط! لماذا؟ لأن الولايات المتحدة تحولت بالفعل إلى “امبراطورية عسكرية” وانقضى الأمر.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)