في واشنطن لم تهدأ بعد العاصفة التي أثارها كتاب «في مركز العاصفة» لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت الذي يتحدث فيه عن التحضيرات السرية لاستكمال الخطة الأميركية لغزو العراق.

الكتاب في إجماله عبارة عن قائمة اتهامات طويلة تشمل العديد من المسؤولين في إدارة بوش بمراتبهم المتفاوتة في الأهمية. وبينما يبرئ تينيت نفسه ـ وهذا هو هدفه الأساسي في نشر الكتاب عند نهاية الشهر المنصرم ـ من عملية نسج الأكاذيب والتلفيقات التي على أساسها اتخذ الرئيس بوش قراره بشن الغزو فإنه يحمل مسؤولية الكذب المنهجي والتلفيق لغيره من كبار شخصيات الإدارة الأميركية.

نحن كعرب ومسلمين لا ينبغي أن يهمنا على من تقع مسؤولية الكذب والتلفيق داخل مؤسسة السلطة الأميركية، بمقدار ما يهمنا ما إذا كان كبار المسؤولين الأميركيين الذين يثبت تورطهم في جريمة الكذب من أجل ضرب العراق سيقدمون إلى محاكمات أم لا.

لا أحد ـ حتى في داخل دهاليز الإدارة الأميركية ـ يعرف على وجه الدقة القانونية ما إذا كانت الاتهامات الخطيرة الواردة في كتاب تينيت صحيحة مئة في المئة في غياب تحقيق يفضي إلى إجراء قضائي نزيه، ولكن إذا كان مدير الاستخبارات المركزية الأميركية بريئا كما يدعى بينما آخرون موضع اتهام فلماذا لم يتقدم باستقالته في مرحلة مبكرة؟

لماذا لم يترك منصبه ليعلن للشعب الأميركي وللعالم أسماء الذين قاموا بعملية الطبخ المعلوماتي التي أدت إلى تلفيق المبررات الكاذبة التي على أساسها جرى شن الحرب على العراق؟ لو فعل ذلك قبل اندلاع الحرب لربما حصل للرئيس بوش وإدارته من الحرج العالمي البالغ ما يجعله يتراجع عن قرار الغزو.

الكذبة التي بني عليها قرار الحرب هي أن عراق صدام يملك أسلحة دمار شامل جاهزة للتشغيل بما يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، ولو تحرك تينيت ليعلن أن هذا الادعاء كاذب مائة في المئة كما ثبت لاحقاً وقدم إلى الرأي العام الأميركي والمجتمع الدولي من الأدلة ما يفضح هذا التلفيق لما استطاع بوش أن يمضي قدماً في التدبير لغزو العراق.

الآن وفي سبيل تبرئة نفسه من خلال كتابه المثير فان مدير الاستخبارات المركزية نفسه يلجأ إلى الكذب بعد أن صار خارج السلطة. ففي سياق حديثه عن تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن يقول إنه قبل وقوع التفجيرات أبلغ السيدة كوندوليزا رايس أنه بات على قناعة بأن أسامة بن لادن يخطط لهجوم كبير داخل الأراضي الأميركية وأن أميركا ينبغي أن تلاحقه حتى مخبئه داخل أفغانستان لكن رايس لم تعر الأمر اهتماماً كما يقول مما يفرز تساؤلا: لماذا يبلغ تينيت رايس وحدها بهذا الأمر الخطير بينما كان له اجتماع يومي مع الرئيس بوش؟

وفي الكتاب لا يأتي مدير الاستخبارات على ذكر أنه كان يجلس إلى جوار وزير الخارجية السابق كولين باول في مجلس الأمن الدولي على مدى ساعات كان الوزير خلالها يكذب على ممثلي العالم عبر تقديم «أدلة» تثبت ملكية العراق لأسلحة دمار شامل. وهي أدلة كانت من إعداد تينيت ومساعديه.

صفوة القول تساؤل: لماذا بعد كل الاتهامات المتبادلة داخل مؤسسة السلطة الأميركية في أمر يتعلق بالحرب لا يحاسب أحد ولا يجرى تحقيق اقتداءً بمبدأ الشفافية؟

أي نوع من الديمقراطية يطبق في الولايات المتحدة؟

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)