بغض النظر عن التعليقات السريعة التي صدرت بالأمس حول "فتح الإسلام"، وتحميل الحدث أبعادا إضافية، لكن الحدث ربما لم يكن مفاجئا.. وهو بذاته جزء من السيناريو الأبعد، وليس مرتبطا بلبنان، فمن تسرع ليتحدث عن "ارتباطات" هذا التنظيم، ربما يحتاج أيضا لقراءته في السيناريو الأعمق والأكثر تجذرا منذ عمليات التصفية المنظمة لكل أشكال "الدولة" على سياق ما حدث في العراق.

ربما يكون لزيارة وولش إلى لبنان دور في هذا الأمر، لكن المهم هو أن مسألة "الإرهاب" تتطور بشكل واضح معتبرة نفسها "وريثة" الدولة والحداثة، وترى في نفسها القدرة على مقارعة الخطاب والنظام السياسي الدولي والإقليمي، وهذه الظاهرة لا علاقة لها بما شهدناها في الستينات من عمليات "المد الثوري" لأن الفارق هو في طبيعة التفكير الذي يحكم اليوم هذه الجماعات. فحروب العصابات التي نشأت في أمريكا اللاتينية وامتدت باتجاه العالم كانت تملك اهدافا واضحة داخل جغرافية محدودة، حتى ولو اعتبرت نفسها ضمن حالة عالمية للنشاط الثوري...

ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط هو ظاهرة مستقلة يحب دراستها بشكل كامل لأنها وإن تحركت بفعل الأحداث، لكنها تمتد بشكل سريع داخل المجتمعات، وتبدو أنها تملك نفس السياق سواء مارست نشاطها في المغرب أو العراق أو لبنان أو حتى السعودية، وهي ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى نتحمل نتائجها بغض النظر عن منطق التآمر الذي يحكم التحليلات التي تحاول قراءتها وفق "السياق اللبناني" اليوم.

المشكلة ليست في فتح الإسلام بل في مسألة العنف وطريقة التعامل معه، وهو موضوع أصبح معقدا ومتشابكا في ظل كسر "شرعية" الدولة كما ظهرت منذ نهاية الانتداب على المنطقة عموما، ووفق خطاب ثقافي بالدرجة الأولى، فمسألة "الشرق الأوسط الجديد" ليست مشروعا سياسيا أمريكيا على ما يبدو، لكنه في إطاره الثقافي كما طرحه كولن باول إزاحة أي جدل فكري باتجاه القوة، أو خلق التشكيلات التي تحتكر الحق، وتستطيع بسهولة إيجاد سندا تراثي لما تقوم به.

إذا كانت الغاية الثقافية من الشرق الأوسط الجديد إحداث تبدل ثقافي فإن هذا المشروع ينجح بشكل تدريجي ليرتد اجتماعيا في وقت لم نستطع فيه مواجهة هذا الهجوم بأي مشروع جديد...