زفت لنا احدى المحطات الفضائية العربية خبرا مفرحا حول اصابات الايدز الموجودة في العالم العربي، حيث توقف الرقم عند نصف مليون اصابة حسب الاحصاءات الرسمية، وهو رقم يعتبر تافها أمام رقم فخري 300 مليون عربي، طبعا التفاصيل ليست مهمة مثل كيف والى اين هذا الرقم؟ وهل الحالات المثبتة تكفي للدلالة على حضور الايدز بين ظهرانينا أم أن هناك توقعات بالزيادة ام بالنقصان؟ هل هناك ولادات مصابة أم لا؟ هل للتربية (ولا أقصد هنا الأخلاقية) والمعرفة المجتمعية علاقة؟ وهل الأخلاق ومكارمها كانت كافية لصد الفيروس عن نصف مليون عربي؟ وهل المصابين بلا مكارم أخلاق؟ وهل بقي الكثير من قليلي المكارم كي يصابو ؟ وهل بأمكانهم التعريف عن أنفسهم قبل أن يصابوا؟ وهل يصاب بالايدز من اتسخت ايديهم بالرشوة والفساد وسرقة المال العام على اساس انهم من فاقدي مكارم الأخلاق؟

هذه بعض التفاصيل التي يمكن طرحها كأسئلة على الذين ظهروا على الشاشات أو الذين كتبوا في الصحف والمجلات، مطمئنين اننا امة لا يمكن للأيدز ان يخترقها لأننا نتصف بمكارم الأخلاق ، واضعين الناس كلهم في وهم هو أخطر من الأيدز وانفلونزا الطيور مجتمعين .

لقد صرعونا وهم يأكدون لنا أن الايدز ابتلاء وعقوبة، وصرعونا انه بعيد عنا لأسباب تتعلق بأخلاقنا الخصوصية، والايدز يصيبهم هم (طبعا ندري ولا ندري من هم) لنغرق في وهم خطير اننا احسن منهم (هم) فأخلاقنا اعلى بكثير وهو الاختلاف الحقيقي عنهم (هم) بالانسانية وبالتالي نحن أوادم و(هم) سفلة، وها هي الأرقام تكذب الادعاء ونحن أمام خطر حقيقي فهل نحن مثلهم ، أم ان هناك خطأ في تطبيق النظرية ؟ أين العطب ؟ فالايدز يصيبنا مثلهم على الرغم من الفارق الأخلاقي ذي الجذر التراثي الذي لا يخفى على أحد.

هنا نبدو عبر ثقافة الاصرار على الخصوصية اننا فوق البشر و "هماَ"، ولكن الحقيقة والارقام تؤكد اننا مثلنا مثل جميع البشر نصاب بما يصابون ونقاوم ما يقاومون .

ربما علينا ان ننحدر اخلاقيا ونفكر بالجنس ونقل الدم ومعالجة المرضى كمصابين لا كمبتلين ونواجه الموضوع مواجهة بالعلم والشفافية، فالايدز ليس تهمة انه مرض خطير يهاجم الانسان بفيروسات محددة وبنتائج مجددة وليس سبيل لمقاومته الا الدراسة والبحث بالعقل والادوات العلمية .

يعيدنا هذا الكلام الى بداية عصر النهضة المجهض وربما الى قصة قنديل ام هاشم للأديب يحيى حقي لتتحول محاولات التنوير الى محاولات بدئية، تبدأ من مقاومة الخزعبلات .