من طرف بيروت الشرقي الى المطار ، وحواجز الجيش تكسو المدينة ظهر الاحد ، بعد اندلاع الاشتباكات في الصباح في الشمال ، وكلما توقفنا عند حاجز صرخ المواطنون بالجنود: الله يحميكم ،
وتضيف امرأة في الخمسين: الله يحميكم ما في غيركم،، عبارتها تلخص وضع لبنان ، حيث رئيس مطعون بشرعيته من قبل نصف البلد ، حكومة مطعون بشرعيتها من قبل نصف البلد.

برلمان معطل وقضاء لم يعد له معنى بعد ان تم تغييبه باخضاعه لتدويل حجته عدم كفاءة القضاء اللبناني. المؤسسة الوحيدة التي حافظت على شرعيتها ، على قوتها ، على متانتها وثقة جميع اللبنانيين بها هي الجيش. هذا اولا ، من جهة ثانية يتطور موضوع الاستحقاق الرئاسي الذي يعول عليه الجميع ، بحيث تعلن المعارضة بالاجماع اتفاقها على ترشيح ميشال عون ، في حين يطالب البطريرك بمرشح توافقي ، وياتي المبعوث الاميركي الى لبنان ليناقش الاستحقاق مع الجميع ، وليعرض على عون دعمه مقابل شرط واحد : فك ارتباطه بحزب الله ، وفي حين يبدو ان الاستجابة لم تتحقق (حتى الان) علما بان هذا الشرط ، اي فك الارتباط بالحزب هو ما يعمل عليه مع نبيه بري بمختلف الاساليب منذ بداية الازمة.
غير ان استمرار هذا الاخير في موقفه وفي الامساك بقرار مجلس النواب ، يجعل الامر اكثر تعقيدا بالنسبة لجماعة الموالاة وبالنسبة للمخطط الاميركي في لبنان. وفي حين يهدد هؤلاء خلال اليومين الماضيين بعقد جلسة الانتخاب في السراي الحكومي او في مكان اخر غير المجلس.

يرد رئيس الجمهورية بانه لن يترك الامور حتى اللحظة الاخيرة. ويفهم الكثيرون من ذلك تهديدا بتسليم البلاد للجيش ، بحيث يرد سميرجعجع بانه اذا كان الرئيس يقصد ذلك ، فسنعتبره بمثابة انقلاب وسنتعامل معه على هذا الاساس.
هذا ثانيا ، من جهة ثالثة ، يتطور الوضع الاقليمي والدولي بحيث يشعر الذين اقاموا رهانهم على اقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع ، مما يهيىء لقدوم قوات دولية تحتل البلاد كلها وتنزع سلاح المقاومة بالقوة ، وتريح منه اسرائيل وعملاءها في الداخل ، يشعرون بان الامر ليس مضمونا كما تخيلوا لسببين واضحين: تطور الموقفين الروسي والصيني خلال الايام الثلاثة الاخيرة وتطور الموقف الاقليمي على الصعيد الاميركي - الايراني والاميركي - السوري.

ففي التطور الاول صدرت تصريحات عن الدولتين الدائمتين في مجلس الامن بانهما لن توافقا على المشروع الفرنسي - البريطاني بصيغته الحالية وادراجه تحت الفصل السابع ، هذا في حين كان نائب رئيس الدوما يجول في الضاحية الجنوبية بعد زيارته لجميع الفرقاء في لبنان ويطلق تصريحات من النوع الذي لم نعد نسمعه منذ ايام خوتشوف.
وهنا يبدو ان ثمة افتراقا بدأ يتشكل وان بحياء بين المصالح الاميركية والمصالح الاسرائيلية في اكثر من موقع من المنطقة وخاصة في لبنان. حيث ان الغرق الاميركي في العراق اصبح يفرض على الاميركيين سلم اولويات قد لا يكون اوله لبنان وسلاح مقاومته ، بذات الدرجة التي كانت مطروحة في السابق.
كما ان الظروف الداخلية الاسرائيلية لا تسمح بشن حرب شاملة كحرب تموز الماضية . دون ان يعني ذلك ان الدولة العبرية تقبل بهزيمة عملائها او بمجيء رئيس جديد مواقفه مواقف اميل لحود.

ومن هنا كانت التوقعات الدائرة في الدوائر السياسية وفي لبنان بان الحل سيكون في تفجير الوضع الداخلي في لبنان كما حصل في الحرب الاهلية وعندما يغمر الدم والخراب الارض وتستنفد قوة المقاومة عبر جرها الى هذه الحرب تتدخل اسرائيل عبر طيرانها ، مما يجنبها معركة برية خاسرة كما دلت تجربة تموز ، ويسمح لها بالعودة الى الاسلوب الاسرائيلي القديم القائم على الاعتماد فقط على القصف الجوي.

كل هذا كان اللبنانيون يعونه ويتحدثون به في الشارع ، غير ان النقطة التي اخطأوا في حسابها ، هي انهم كانوا يتوقعون ان يأتي التفجير على يد القوات اللبنانية وسمير جعجع ، او بواسطة عمليات ارهاب وتفجير مجهولة تمهد لذلك. حتى جاءتهم المفاجأة صباح الاحد من قبل هذا التنظيم الذي لا يصح ابدا نعته بفصيل فلسطيني كما جاء في بعض وسائل الاعلام. انه تنظيم نبت كالفطر السام دون ان يعرف احد مصدره ، وسارعت المنظمات الفلسطينية الى التبرؤ منه. وليس تصريح الرجل الذي ادعى بانه الناطق الرسمي باسمه صباح الاحد بانهم يعملون على حماية اهل السنة الا الدليل القاطع على الدور التخريبي المنوط به: الفتنة.

مصادر
الدستور (الأردن)