بالصدفة وجدت ما بين مخيم نهر البارد شمالا، أو نحو "عين الحلوة" بعد غفوة طويلة دون أحلام تجعلني استيقظ أو حتى أعرف أنني كنت غارقة في زمن مجهول، لكنني لم استيقظ على الرصاص، فبضع كلمات فقط جعلتني أتقلب، وكانت مثل الروايات القديمة أشبه بـ"قبلة الحياة"، لكنها لم تأت من امير مغرم بل "مجهول" فوضوي لا أعرف تفاصيل وجهه، لأنه ملثم أحيانا أو ملتح أحيانا أخرى، فصورته وصورتي في "نهر البارد" ربما تلخص زمنا بعمر التشرد.
صحوت على الكلمات التي ذكرت البعض بالماضي، لكنها بالنسبة إلي كانت رواية رسمتها في الخيال وأنا أنظر للسماء فأشاهد الطائرات وأتذكر أغاني مارسيل خليفة، وفي النهاية أسقط على الأرض بعد أن انتهت المعارك القديمة، وربما جددت بطراز آخر يسير على العقل قبل أن يسحق الأجساد، فما الفرق ما بين "نهر البارد" وأي مخيم فلسطيني في غزة... وما الفرق ما بين الملثمين والجنود النظاميين سواء كاني في رفح أو طرابلس.. هي صورة تلخص "الفلسطيني" بعد أكثر من نصف قرن على الشتات، أو تلخص صورتي بعد انتهاء "اللون الحار" الذي رافق أبي أو جدي أو أي رجل ظهر في ستينيات القرن الماضي.
في مخيم نهر البارد ظهرت العزلة الجديدة، فالبعض يتسلى بالروايات التي عاصرها يوم كانت طرابلس مجالا آخر لاقتتال غريب، ثم جاءت السفن من البحر، وأخرجت "المقاتلين" أو "عزلت" الآخرين في مساحات اسمنتية لتؤكد غربتي وغربتهم، وغربة الزمن الذي يسير كطيف سريع. ففي اللحظات التي تتساقط فيها القذائف أو نسمع أزيز الرصاص ربما علينا البحث حولنا، لأننا لم نترك مجالا سوى المساحات الأسمنية أو أزقة الفقر، بينما سرقنا الأمل وتركنا انفسنا بين "غبار التراث".
"نهر البارد" صورة للنسيان.. فعندما يستيقظ اليوم ندرك أننا رمينا الزمن خلفنا ونسينا أن نمضي نحو المستقبل، فعلقنا في وحل "المخيمات" التي كانت رمزا زتصبح اليوم هدفا.. فهل أنا المسؤولة عن الغفوة التي أوجدت "المقنعين" حول؟!!
سأدور.. أتوه في اسمنت الأحياء المتراكبة على مساحة التشرد، وأعرف أن قدر الغربة يطال الجميع، لكنني الوحيدة التي ترى الدخان ومن خلفه "مشردون" آخرون قادمون من كل المساحات التي تتكسر بحكم وجود "القديم" وربما عدم ظهور "الجديد" أو نسيان اننا نعيش في زمن يتحرك ولا يغفو على "المخيمات" ثم يستيقظ فجأة ويندهش مما حدث فيها.