ما ينقص الساحة الاجتماعية بدأ يظهر بشكل أقوى من المعتاد، فإذا كنا مدمنو "احتمالات" و "مؤشرات" فإن مهنة "العرافة" لم تعد رائجة فقط، بل عادت بنا إلى مساحة "الجاهلية" لترسم من جديد خارطة سياسية على سياق القبائل والأفخاذ والبطون، وتجعل من السياسة تاريخا أشبه بحلف الفضول. فهل ننتظر المتنبئين ليرسموا لنا حدث المستقبل عبر شاشات التلفزة؟ ويسردون لنا الحدث المتوقع ولكن في إطار من الخوف والقلق؟

وربما يكون السؤال مختلفا وسط ساحة من الفوضى واحتمالات الموت والحرب ... فـ"الغيب" لم يعد سمة التفكير بما بعد الموت لأنه حاضر في أذهاننا منذ اللحظة التي أصبحت فيها السياسة رغبات مريضة، ومحاولات إشعال فتنة سواء بإحراق المساجد أو بجمع التواقيع داخل "خيمة" تغص بوسائل الإعلام وسط بيروت.

ما نريده هو "الغيب" لأن فردوسنا المفقود لم يعد بداخلنا، فهو ارتحل مع الهجرة التي حكمت العقول وربما القلوب إلى مناطق ينعدم فيها الشك، وتصبح قراءة الحدث متشابكة مع "الفعل" الذي يقوم به الجميع، ويريده الجميع من اجل الحياة أولا وأخيرا.

لسنا بحاجة لتعداد التنبؤات التي أصابت أو أخطأت ... ومهما كانت نوعية المحطة الفضائية التي فاجأتنا باستخدام العرافين بدلا من المحللين السياسيين، فإنها بالفعل قدمت الصورة المثلى لعمل أي مواطن داخل "الشرق الأوسط الكبير"، فهو يسير على حد التنبؤ ويكتب مستقبله بناء على الفتنة المتوقعة، رغم انه يراها يوميا في شريط الأخبار، أو في الخط الأحمر بعنوان "عاجل" ... لأن هذا العاجل هو على الأغلب صورة الموت والاغتيال.

من سيموت ومن سيعيش ... وما هي الخارطة السياسية المستقبلية ... وحزمة أخرى من الأسئلة تسبقنا اليوم فنعتقد أن الحكومة الإسرائيلية المصغرة، والإدارة الأمريكية تنتظر صورة "الغيب"، أو يسبقها القدر فتعجز عن تقديم سياساتها لنا على شاكلة الفوضى البناءة.

إدمان الحدث اليوم لم يعد ظاهرة داخل الأفراد .... إنه "سحر الشرق" الذي أصبح بريقه مشتعلا بفضل طاقة العنف التي نريدها أو ... يريدها الآخرون لنا ...

مصادر
سورية الغد (دمشق)