ااشتبـاكات الشـمال تتواصل والجيـش ضحية المـأزق السياسي والعجـز العسكري والإخفـاق الأمني

هل تستحق الجريمة المستمرة بحق البلاد والجيش والمدنيين والأمن العام لجنة تحقيق لتحديد المسؤولية الأمنية والسياسية عمّا يحصل؟
وهل تستحق البلاد سلوكاً مختلفاً من جانب السلطة السياسية المسؤولة يفتح باب الخطوات الآيلة الى إطلاق عملية سياسية تعيد وصل ما انقطع وتغلق أبواب الفوضى الأمنية المتنقلة وأبواب الفتنة المتصلة بها؟
وهل آن الأوان لقليل من التواضع السياسي من جانب القوى القادرة على بت الخيارات الكبرى للبلاد وسوق الأمور نحو خيارات أكثر واقعية لا تكون متصلة تماماً بالبرامج الخارجية التي تشرف عليها الولايات المتحدة لترتيب أمور المنطقة؟
إذا لم يكن هناك من يتوقع إجابة واضحة ومباشرة عن هذه الاسئلة، فإن الشريط الميداني للأحداث الدائرة في مخيم نهر البارد في الشمال وتفجير فردان ليل أمس في بيروت لم يفتح الباب على أي جديد نوعي على صعيد المعالجات السياسية، وسط استمرار وتعمق الانقسام السياسي الداخلي، الذي ينطلق من خلاف كبير على تشخيص المشكلة وبالتالي آلية علاجها. وبينما أبدت قوى المعارضة تصريحاً وتلميحاً المزيد من الحذر والخشية من توسع دائرة التفجير في ظل سياسة فريق 14 آذار، واصل الفريق الحكومي والسياسي القابض على مؤسسات الدولة خطواته باتجاه تصعيد سياسي له بعده الإقليمي وضغط لمزيد من التصعيد الأمني من باب المخيمات الفلسطينية هذه المرة.
ومع ذلك فإن النقاش المهني الذي قام منذ مدة غير وجيزة حول قدرات الاجهزة الامنية النافذة وكفاءتها وإخفاقاتها، تعزز خلال الساعات الـ48 الماضية، وسط شكوك كثيرة في قرب التوصل الى آليات عمل تحدّ من التنافس السلبي القائم في البلاد الآن، وتحد أيضاً من الأضرار الناجمة عن أزمة الثقة القائمة بين هذه القوى، وهذه الأزمة التي تعمّقت بفعل ما حصل أول من أمس في الشمال، حيث بدا الجيش مستهدفاً لجهة توريطه في حرب لا نهاية معروفة لها.
ومع أن مجلس الوزراء برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أثنى أمس على جهود الجيش وأعلن عن المباشرة في صرف ما يلزم من أموال التجهيز والعتاد والعديد له ولبقية الاجهزة الامنية، إلا أن مصادر واسعة الاطلاع كررت شكوكها في آلية صرف هذه المساعدات وما إذا كانت مرتبطة ببرامج تعدّها دول خارجية، عربية كانت أو غربية.
المأزق
وسط هذه المناخات تجددت المواجهات طوال يوم أمس بين الجيش ومسلحي فتح الإسلام في مخيم نهر البارد، وردّ الجيش بقصف مدفعي مركز على نقاط للمسلحين الذين عدلوا كثيراً في خريطة انتشارهم داخل المخيم.
ومع ذلك فإن الجيش تمسك بقراره عدم الدخول الى المخيم، برغم ضغوط قوى من 14 آذار ومن قادة فلسطينيين مؤيدين للرئيس محمود عباس. وأجريت مشاورات موسعة لكن دون التوصل الى قرار، علماً بأن مصادر عسكرية رفيعة لم تنف نهائياً احتمال القبول بوقف لإطلاق النار شرط توافر ضمانات كاملة وأكيدة بكبح جماح المسلحين وتسليم أنفسهم الى السلطات القضائية والعسكرية سريعاً. وعلى القوى الفلسطينية الحريصة على عدم توسع المواجهات العمل على إنجاز هذا الأمر سريعاً.
وقال مصدر رفيع لـ«الأخبار» إن الجميع يعيش الآن «مأزق ما يحصل، فلا الجيش قادر على الحسم ولا هو راغب في معركة مفتوحة، ولكنه غير قادر أيضاً على القبول بوساطات مع مجموعة إرهابية تواصل الاعتداء عليه. كذلك فإن السنيورة يرفض وقف العمليات العسكرية قبل الإجهاز على هذه المجموعة، وهو غير قادر في الوقت نفسه على تحمّل مسؤولية أي قرار من شأنه توريط البلاد في مزيد من المواجهات مع تزايد الاحتمالات باستعداد قوى متعاطفة مع فتح الإسلام وموجودة في أكثر من مخيم فلسطيني لفتح جبهات جديدة، وسط هبوط مريع في صدقية الأجهزة الأمنية خلال عرضها لما تملكه من معطيات عن قدرات هؤلاء المسلحين، وخصوصاً بعد فضيحة طرابلس أول من أمس، وتلقي الاجهزة تحذيرات جديدة من احتمال توسع أعمال التفجير كما حصل في الأشرفية وفردان».
اشتباكات واتصالات
وسط هذه الاجواء كانت فصائل فلسطينية ورجال دين يحاولون التوسط لأجل إدخال فرق الصليب الاحمر والدفاع المدني الى مخيم نهر البارد والتوصل في الوقت نفسه الى تفاهم على وقف إطلاق النار، ولكن المحاولات ووجهت برفض السلطات اللبنانية وقف النار ورفض أي تفاهم مع المجموعة المسلحة من جهة، وبنقص حاد في آليات التواصل والثقة بين الفصائل الفلسطينية نفسها وبين المسلحين.
لكن المواجهات تواصلت وعلم أنه تم تدمير جزء من مقر قيادة شاكر العبسي الأمر الذي أجبره على الانتقال الى مركز «صامد» داخل المخيم، وأن عدداً من القياديين المساعدين قد أصيبوا بجروح خطرة ومنهم «أبو مدين» نائب العبسي للعمليات و«أبو علي» المسؤول عن الإمداد ونقلا الى مستوصف فلسطيني في عمق المخيم، كما أصيب قائد إحدى المجموعات المسلحة وهو شهاب خضر قدور الملقب بـ«أبو جريرة».
وفي معلومات الأجهزة الامنية في قوى الأمن الداخلي أن تحركات سجلت لمجموعات فلسطينية بين موقعي الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة في مخيم قوسايا وتلة حشمش في البقاع الأوسط ورصدت تعزيزات عسكرية وبشرية نقلت الى المنطقة، إضافة الى تحرك لعناصر من هذا التنظيم في منطقة الناعمة.
وفي جرود الهرمل رصدت جرافات سورية تعمل على رفع السواتر الترابية على معبرين غير شرعيين هما «طاحونة العميري» و«سد حيرى» المتاخمين لبلدة حوش السيد. وكان المعبران يستخدمان لتبادل أعمال التهريب بين جانبي الحدود.
وعلمت «الأخبار» أن عدد الموقوفين من «فتح الإسلام» لدى الجيش بلغ حتى الآن 18 عنصراً تبيّن أنهم من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسعودية وجزائرية وتونسية.
وأشارت المعلومات الى أنه سقط من الجيش في معارك أمس شهيدان جديدان وأن عدد الجرحى العسكريين ارتفع الى 52 جريحاً.
انفجار فردان
وقرابة الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من مساء أمس، هزّ منطقة فردان انفجار بين مبنيي الربيع و«نور الحياة» مقابل المركز الثقافي الروسي ناجم عن عبوة يعتقد أنها كانت مزروعة في سيارة أو بالقرب منها عند مدخل مبنى تجاري. وخلّف الانفجار الذي سمع دويّه في مختلف أحياء العاصمة، سقوط نحو عشرة أشخاص إصاباتهم طفيفة، و أضراراً جسيمة في الممتلكات الخاصة والعامة.
وبناءً على المعطيات الأولية، يمكن تسجيل ثلاث خصوصيات تجمع بين الجهة الجرمية التي وضعت عبوة الأشرفية أول من أمس وعبوة فردان: أوّلاً، تتزامن العبوتان بفارق يوم واحد وبتوقيت مسائي. ثانياً، العبوتان استهدفتا مركزين تجاريين يقعان في حيّين سكنيّين يقطن فيهما مواطنون من الطبقة الوسطى والغنية عموماً. ثالثاً، إنّ زنة العبوّتين تبدو نفسها، أي حوالى 20 إلى 25 كيلوغراماً من مادة ت.ن.ت. أو ما يعادلها.
تجدر الإشارة إلى أنّ العبوتين وضعتا في منطقتين فيهما العديد من كاميرات المراقبة، ما يشير إمّا إلى عدم تنبّه واضعي العبوتين للكاميرات لعدم معرفتهم بالمنطقة، أو لاستخدامهم أساليب تمويه متطوّرة.