أن يسقط شهداء من صفوف الجيش اللبناني أو الشامي في مجابهة مع العدو الصهيوني ، أو أي دخيل خارجي ، أمر يبعث على الاعتزاز والفخر .

أما أن يسقط الشهداء من صفوف الجيش في عملية غدر داخلية وعلى أيدي مجموعات تدعي الجهاد وهي أبعد ما تكون عنه ، فهذا أمر مرفوض ومستهجن ، بل يستحق الوقوف طويلاً عنده وطرح الكثير من الأسئلة ..!.

نستذكر ، ونتابع مواقف وتصريحات بعض تجار السياسة في لبنان ، فندرك كم هي التجارة رائجة هذه الأيام ، ليس بدماء شهداء الجيش اللبناني فحسب ، بل وبكل مشاكل الشعب اللبناني ، وهي تجارة بالجملة والمفرق .

يوم قصقص – الجامعة العربية ، مشهودان لجماعة السلطة اللبنانية ، وإذ لم يكتم أي منهم مشاعره ، فقد أعلن أكثر من طرف عدم رضاه عن سلوك الجيش باعتباره من بقايا " النظام السوري " وعقيدته لا تناسب ولا تتطابق أو تتلاقى مع أهداف جماعة 14 شباط ، وبعضهم فتح النار على الجيش وأصاب العديد من أفراده وضباطه بجروح ... الجيش لم يقف معهم ضد المعارضة ، .. الجيش مع الجميع ضد العدو الخارجي ، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لهم ..!.

قيادة الجيش لم تتغير ، وعقيدة الجيش لم تتغير أيضاً ...، وفي عملية سبر واستطلاع جديدة ... وهي سرية طبعاً .. ، تأكد لمن يدير العمليات على ساحة لبنان أن الجيش لن يقف إلا إلى جانب الشرعية الفعلية ، وليس إلى جانب فاقدي الشرعية ، وهكذا قضت الخطط الموضوعة .... أنه لا بد من توريط الجيش ودفعه إلى انحياز قسري ومفبرك ، قبل أن يستكمل رئيس الجمهورية – القائد الأعلى للجيش فترته ، ويتخذ إجراءات لا تصب في مصلحة هؤلاء .

فتح الإسلام ،.. جند الشام ، ... قاعدة الرافدين ... ، جميعها مسميات لتوجه ظلامي أسود أنشأته ورعته أمريكا ، بل وفرضت تمويله تحت الاسم الأول ، والأكبر في تاريخ المنطقة ..." المجاهدون في سبيل الدفاع عن الإسلام بوجه الإلحاد " .. اليوم ، وعلى قاعدة اقتسام الأمارة ، وتفريخ الأمراء ، انشقت هذه الفصائل عن قاعدة أم هي القاعدة الوهابية - الأمريكية ، وهذا أمر يدركه الجميع ، ولا خلاف عليه ، ولأن جند الشام ، وفتح الإسلام هما من أصل واحد ، وهدف واحد ، وتسميات مختلفة ، فهم تحت عين الرقابة والمتابعة في طول الشام وعرضها ، وقبل ذلك في لبنان عندما كانت عين الأمن والمتابعة ترعاه ، وهذه الفصائل بعناصرها المقاتلة والداعية ، والممولة تتعرض للملاحقة في الشام ، وحصلت العديد من المعارك سقط من جرائها العديد من شهداء الأمن والجيش ، لكن ... الحال في الشام غيره خارجها ، فالأمور تجري بصمت وسرية ، وآخر المعارك كانت قبل أكثر من أسبوع بقليل - جنوب حمص - ، وهكذا هي العلاقة الحقيقية بين قيادة الشام ، وهذه التنظيمات الخارجة عن القانون ، المغرر بأغلبهم ، الذين يصور لهم قادتهم بأنهم على الطريق إلى جنة ...! وأنهم " مجاهدون " لكن أحداً منهم لم يطلق النار على صهيوني ، أو يحاول عملاً يدفع الأذى عن القدس والأقصى ... همهم الوحيد إثارة الفتن والقلاقل في طول بلاد الشام وعرضها ، وتشويه المقاومة الحقيقية ، وبقليل من التفكير الرصين يمكن إدراك النتائج المترتبة على أفعالهم ، ومن هي الجهة الوحيدة المستفيدة .

الرئيس السوري المسكون بهموم المنطقة ، في لقائه مع أمين عام الأمم المتحدة ، واستقراء منه للسلوك الأمريكي والصهيوني اليومي ، يتنبأ بأن الاستمرار على هذا المنوال من التدخل الفج في المنطقة سيؤدي إلى اشتعال حرائق أكبر ، ومشاكل أكثر ... وتجار السياسة في لبنان يتقولون بأن في الأمر تهديد وليس استشراف لمستقبل قريب على أساس ما يحصل في الواقع ، وهم في كل ذلك شركاء ... رئيس الشام لا يحق له تقدير الأمور واستشراف ما قد يحصل .. هو فقط يهدد ..!! ، وإذ يبشرنا أهل 14 شباط بأن المنطقة مقدمة على تغيرات كبيرة وأن الكثير من الأهوال تنتظر الجميع إذا لم تتحقق مطالبهم وتتراجع المعارضة ، وضرورة أن ينتصر المشروع شرق أوسطي الجديد أو الكبير ، أو بتسمية أدق المشروع الصهيو – أمريكي ، فإن ما يقولونه هو مجرد استشراف واستقراء للواقع ... مجرد تنبؤ مبني على تهيؤات أمريكية ، يغذيها ديفيد والش ، أو أي من مساعدي كوندي العزيزة ، أو حتى السفير فيلتمان باعتباره المفوض السامي ، يعاونه بعض سفراء آخرين وممثلي الأمين العام للأمم المنتصرة ، ومبعوثه الخاص ، وانطلاقاً من كل هذه القواعد يمكن تصوير الحقائق مقلوبة للمواطن اللبناني ، وبدلاً من الاعتراف بتبني طرف ما على ساحة لبنان لفتح الإسلام كمنظمة مدافعة عن الطائفة ، وبالتالي رعايتها وحمايتها وحتى تمويلها ، يضللون هذا المواطن بالقول أن " النظام السوري " الذي يلاحق هذه المنظمة وأمثالها ، هو من أنشأها وسلحها ودربها ، ثم بعث بها لضرب الجيش اللبناني الذي كان حتى الأمس تابعاً سورياً ( حسب تقييم هؤلاء ) ، وبدلاً من القول أن الموساد يقتنص الفرص ويحرك خلاياه المدربة لإشعال فتيل الحرب الأهلية ، يتم الربط المتهافت بين من " تحركهم الشام " وبين التفجيرات في الأشرفية وفردان على قاعدة التهديد الذي يزعمون أن قيادات في الشام أطلقته ، والذي لا يقبل به هؤلاء على أنه استشراف ، أو قراءة منطقية للواقع ، ولقد وعدوا هم بما سيحصل ، بل وبأكثر من ذلك بكثير كالقول أن النظام على وشك الانهيار ...! - ومتى كانت الأنظمة على وشك الانهيار قادرة على الفعل خارج محيطها وفي أماكن لم يعد لها فيها وجود ..؟ .

فتح الإسلام كتنظيم أعلن عدم مسئوليته عن التفجيرات ، وعهدنا بهذه التنظيمات أنها تفاخر بما تنجزه ..! وعلى هذه القاعدة نميل إلى تصديق هذا النفي ، ويمكن ترجيح احتمالات أخرى كأن يبادر الراغبون في تجريد المقاومة ( كل المقاومة ... لبنانية ، أو فلسطينية ) من السلاح لافتعال مثل هذه الأحداث تمهيداً لأكثر من إجراء .. قد يبدأ بطلب المساعدة العسكرية الأمريكية وهذا ما بدأ يظهر فعلاً ...، والأمر الآخر الضغط لإقرار المحكمة تحت الفصل السابع وهو ما يتم طلبه علانية ..؟ وتصبح الوصاية الدولية أمراً واقعاً ..! ويبقى التساؤل ... من هو الطرف الثالث الذي يطلق النار باتجاهين متعاكسين ( على الجيش وعلى مكامن فتح الإسلام ) عند كل اتفاق لوقف النار بين الجيش وهؤلاء ..؟ وإذا كان من يعترض قوافل الإغاثة هم من منطقة محددة ،.. يمكن بعدها توجيه السؤال ذاته إلى وزير الشباب أحمد فتفت ، وتالياً لتنظيم المستقبل الذي أبدى هجوماً على الفصيل ،...! وهو هجوم جاء على لسان سعد الحريري ولا يجب الأخذ به أبداً لأنه لا يتجاوز عملية التظاهر المتهافت ، كما عملية الربط بين الفصيل " المجاهد " ، ولسنا ندري هنا أين هو مجال الجهاد ، وبين دولة تلاحقه ولم يكتم قادته وأنصاره عداءهم السافر لهذه الدولة ..؟ قليلاً من الاعتبار والاحترام لعقل المواطن اللبناني ، وأيضاً العربي .. وإلا علينا أن نتقبل بعد قليل الإدعاء بأن الهجوم الصهيوني على لبنان ومقاومته كان بدفع من " نظام دمشق " كما يدعون ، وأن سمير جعجع وعصاباته التي تدربت في الكيان الصهيوني وأتقنت أدوارها هم براء من دماء الذين قتلتهم وليس آخرهم الشيخ بيار أمين الجميل ..!. وأن حكومة السنيورة لم تفتح الباب واسعاً أمام الفارين من ملاحقة دمشق لاستخدامهم ضدها لاحقاً ، ولكن قضت الظروف والخطط الأمريكية أن يتم استخدامهم ضد لبنان ، وضد الجيش اللبناني تحديداً لإسقاط عقيدة هذا الجيش .. الوطنية ، واستبدالها بعقيدة أخرى أقل ما فيها أن الكيان الصهيوني جار وليس عدو ، وأن العدو على الحدود الشرقية ... إنه قرار بوش ، يشرف على تنفيذه الآنسة كوندي رايس وفيلتمان و والش ، وأدوات الحراك كأبواق مجموعة 14 شباط دون استثناء ... رغم فشلهم في الظهور كممثلين مبتدئين لا يتقنون أداء دور يقارب الإقناع ، بل كمن يتوهم ، فيؤدي دوراً في منتهى الوخامة والانحطاط .

تعليلات الحكومة فاقدة الشرعية ، وتحليلاتها بلغت حداً من التهافت لدرجة العيش في الأوهام ، وإذا كان مقبولاً مثل هذا السلوك من الغوغاء والمبتدئين في عالم السياسة ، فإنه مرفوض بالمطلق من قبل أجهزة تملك كل مقومات العمل والوصول إلى نتائج أقلها المقارنة والتحليل والربط مع السوابق ثم إعلان الحقيقة ..! ولكن من يجرؤ من العملاء على إعلان حقيقة أن العمل إخراج وإنتاج دولي ، وأن الجميع متورطون حتى الأذنين ..!.

يوم كانت التفجيرات تجتاح شوارع بيروت والمدن اللبنانية مستهدفة رجال المقاومة والأحرار ، كان الكثير من رجال الحكومة الحالية يشيرون إلى اليد الحقيقية الفاعلة ،... بينما كان الحكيم يلتزم الصمت ، سواء يوم اغتيل الرئيس معوض ، أو يوم اغتالوا حبيقة .... كان الوفاق قائماً مع أمريكا ، وكانت مصالح أمريكا لا تسمح باتهام سوريا ،... ولأنهم أدوات ناطقة ، وطبقاً لمقتضيات المصالح الأمريكية ، يسارعون اليوم ... إلى القول بأن عثرة العنزة في جرود لبنان سببها فعل سوري ، حتى ولو كانت العنزة ... شامية .