نمر حالياً في ذروة مخطط واضح المعالم يهدف ليس فقط الى إسقاط اتفاق مكة الذي مهد الطريق أمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بل وإسدال الستار على أي دور سياسي لحركة حماس على وجه الخصوص في المستقبل المنظور. فالحرب المفتوحة التي تشنها إسرائيل حالياً ضد حركة حماس، والتي تستهدف قيادتها السياسية وجهازها العسكري؛ إلى جانب إفتعال التوتير الأمني معها على الصعيد الداخلي الفلسطيني يأتي في إطار تحقيق هذا الهدف. فإسرائيل تجاهر علناً بأهدافها من وراء التصعيد الكبير ضد حماس، وتشير بشكل واضح الى أن هذا التصعيد يندرج ضمن حرص الكيان الصهيوني على اضعاف حماس من أجل مساعدة خصومها في الساحة الداخلية على حسم المواجهة ضدها عندما تسنح الفرصة من جديد، كما عبر عن ذلك بجلاء ووضوح يوآف جلانت، قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، الذي يشرف بشكل شخصي على عمليات التصفية التي تستهدف قيادات حماس. الأطراف المتورطة في هذا المخطط هي بشكل أساسي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأطراف عربية، الى جانب دور فلسطيني جلي. مقياس نجاح هذا المخطط بالنسبة لهذه الأطراف هو تهيئة الظروف نحو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تضع حداً لدور حماس السياسي. وما نشير إليه هو ليس مجرد تحليل، بل استناداً الى ما نقله التلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 18-5-2007 عن محافل في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت. هذه المحافل وأن لم تتطرق بشكل واضح للوسائل المتبعة لتحقيق ذلك، إلا أنه من خلال ما يجري يمكن تحديد ماكينزمات التحرك المشترك لهذه الأطراف من أجل تحقيق هذا الهدف.

استنزاف حماس عسكرياً وسياسياً

يهدف المخطط الى إستنزاف حركة حماس عسكرياً، وتعقيد ظروف العمل السياسي أمامها، عن طريق العمليات العسكرية المتواصلة التي تقوم بها إسرائيل حالياً، والتي تطال القيادات السياسية، وقادة وكوادر جهازها العسكري " كتائب عز الدين القسام ".المس بالقيادات السياسية يهدف بشكل أساسي الى تجفيف احتياط الحركة من القيادات السياسية، و تقليص قدرتها على المنافسة في مجال العمل السياسي عندما تحين الفرصة، وتنجح هذه الأطراف في الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة. أما المس بقيادات الجهاز العسكري وبنيته التنظيمية سواء كان عن طريق العمليات الإسرائيلية أو على أيدي الأطراف الفلسطينية المشاركة في هذا المخطط، فيهدف إلى تقليص حدود الخطر الذي يمثله العمل المقاوم ضد الاحتلال من جهة، وفي نفس الوقت لتقليص سقف الحركة داخلياً. وستحاول إسرائيل ضرب قيادات حركة حماس في الخارج، وتحديداً محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، وذلك لتقليص قدرة الحركة على العمل في المحافل العربية والإسلامية، وقد أكد ذلك بشكل واضح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي افي ديختر.

الحصار لتيئيس الفلسطينيين

ومن أهم ماكينزمات المخطط مواصلة فرض الحصار على الشعب الفلسطيني، بل ومفاقمته، من أجل دفع الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الى تأييد فكرة إجراء الانتخابات، بل والتحمس لها، على اعتبار أن الجمهور الفلسطيني سيحمل حماس المسؤولية عما حلقه من أذى بسبب الحصار، وبالتالي سيصوت ضدها، الأمر الذي سيؤدي الى اخراج حماس من الحكم، على اعتبار أن ذلك هي وصفة التخلص من الحصار. وللأسف هناك الكثير من الأطراف الفلسطينية التي باتت تروج جهاراً لهذه الفكرة. وفي المقابل هناك تحرك اسرائيلي امريكي يهدف للسماح بوصول الأموال لديوان ابو مازن، وذلك لاستخدامها في توزيع الرواتب على عناصر الأجهزة الأمنية المستعدة لمواجهة حماس. وقد عبر عن هذا التوجه بشكل علني نائب وزير الحرب الإسرائيلي افرايم سنيه، الذي يطالب بالموافقة على دعم هذه الأجهزة.

دور عربي واضح وجلي

الدور العربي الرسمي في هذا المخطط واضح، فالدول العربية ترفض عملياً الإلتزام بمقررات قمة الرياض والتي أقرت رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم المالي له، وذلك على أمل أن يؤدي ذلك الى تيئيس الجمهور الفلسطيني من مشاركة حماس في الحكم. بعض وسائل الاعلام اقتبست عن زعيم احدى الدول العربية المهمة قوله أنه من المستحيل التعاطي مع حكومة فلسطينية تشارك فيها حركة حماس، وهذا يعني أنه من أجل أن يكون هذا التعاطي ممكناً، فيتوجب اخراج حماس من الحكومة. الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية نقلت عن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني بتاريخ 18-5-2007 قولها أن جميع الرسائل التي تصل إسرائيل من الحكومات العربية سواء في اللقاءات المباشرة بين مسؤولين عرب وإسرائيليين، أو عن طريق القادة الأجانب الذين يزورون العواصم العربية، تؤكد أن الزعماء العرب معنيون أكثر من إسرائيل بغياب حركة حماس عن دائرة الفعل السياسي الفلسطيني وبأسرع وقت ممكن. وأضافت بالحرف الواحد " كلهم يعيبون علينا وعلى الإدراة الأمريكية السماح بمشاركة حركة حماس في الانتخابات الأخيرة، ويتساءلون لماذا نكون نحن أكثر مرونة في التعامل مع الحركات الإسلامية من الأنظمة العربية التي تفعل المستحيل من أجل منع الإسلاميين من المشاركة في العملية السياسية ". أما شمعون بيريس " فيشيد " في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي بتاريخ 13-5-2007 بالدور العربي الرسمي في الحفاظ على الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. وأضاف " الأنظمة العربية مثلنا معنية بعدم نجاح تجربة حركة حماس في الحكم، وبالتالي فهي لا تسارع الى المحاولة بشكل جدي الى رفع الحصار عن الفلسطينيين. وهذه رسالة عربية واضحة للشعب الفلسطيني مفادها أن الأمور لا يمكنها أن تتقدم في ظل وجود حماس في الحكم ".

ومن ناحية ثانية يحرص المخطط على تقليص سمك المحيط الداعم لحركة حماس قدر الإمكان، فالولايات المتحدة وإسرائيل تريدان عقد صفقة مع سوريا، على أساسها تسحب الولايات المتحدة معارضتها لقيام إسرائيل بإجراء اتصالات مع سوريا بشأن تسوية للصراع بينهما، مقابل أن تتراجع سوريا عن تأييدها لحركات المقاومة التي تتواجد قياداتها في دمشق، وعلى رأسها حركة حماس. وليس من المستبعد أن تعرض تل ابيب وواشنطن بعض المغريات لدمشق من أجل دفعها لذلك.

بدون مقابل

اللافت للنظر أن المخطط الهادف الى التخلص من حركة حماس، يبيع الفلسطينيين السراب؛ فهو لا يتضمن أي التزام إسرائيلي بإبداء أي مرونة في مجال المفاوضات مع الفلسطينيين، ولو من باب رفع العتب. بل على العكس، إسرائيل تضفي مزيداً من التشدد على مواقفها من حل الصراع مع الشعب الفلسطيني، وتواصل بناء المستوطنات، وتعلن عن أكبر حملة لتهويد مدينة القدس المحتلة، وترفض حتى مبادرة " السلام " العربية. فسكوت العرب وبعض الأوساط الفلسطينية عن الحرب المفتوحة التي يشنها الكيان الغاصب على حركة حماس، لن يحظى بأي وقد عبر عن ذلك بشكل جلي وواضح حنان كريستال، أشهر المعلقين السياسيين في إسرائيل، عندما قال " لو قام العرب وأبو مازن بتقديم رؤوس قادة حركة حماس على طبق من فضة لإسرائيل، فأن أولمرت لن يقدم على أي خطوة في مجال تسوية القضية الفلسطينية ".

لكن يجب أن يكون واضحاً، فليس كل ما تخطط له هذه الأطراف سيكون نافذاً. صحيح أن الشعب الفلسطيني يتعرض للأذى، على اعتبار أن ذلك أحد أدوات تحقيق هذا المخطط، لكن في المقابل، فأن هذا الشعب لن يشري هذا السراب، لأن المطلوب في الحقيقة ليس رأس حماس، بل رأس المقاومة الفلسطينية، ومحاولة تركيع الشعب الفلسطيني وتقليص طموحاته الوطنية، ومحاولة ترويضه ليستعيض عن حقوقه المشروعة بالفتات الذي ترمي به امريكا وأزلامها في المنطقة. فببساطة الشعب الفلسطيني لن يتعايش مع الاحتلال، وإلا لما كانت انتفاضة الحجر وانتفاضة الأقصى.